للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السادس

[المتصوفة]

واستطاعت كثيرات من أولئك النساء أن تكن قديسات لأنهن أحسسن بالألوهية أقرب إليهن من أيديهن وأرجلهن. وقد تأثرت أخيلة الناس في العصور الوسطى بكل ما كان للألفاظ، والصور، والتماثيل، والحفلات، من قوة، بل تأثرت فوق هذا بلون الضوء ومقداره تأثراً جعل الرؤى غير الحسية تتوارد سراعاً على هذه الأخيلة، فكانت النفوس المؤمنة تحس أنها تخترق حدود الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة. وكان العقل البشري نفسه بكل ما له من سلطان غامض خفي يبدو كأنه شئ خارق للطبيعة، وللأشياء الأرضية، وقريب بلا ريب من العقل الكلي الذي يسير مادة العالم ويكمن فيها - أو أنه صورة من هذا العقل الكلي غير واضحة المعالم. وعلى هذا فأن في مقدور ذروة العقل أن تمس أسفل عرش الله. وكان الصوفي الخاشع المتذلل الطموح يتحرق أملا في أن تسمو روحه غير المثقلة بالذنوب، والتي علت بالصلوات، بفضل الله ونعمته إلى الرؤى الطوباوية والصحبة الالهية، ولم يكن من المستطاع بلوغ هذه الرؤى عن طريق الحس، أو العقل، أو العلم، أو الفلسفة المقيدة بالزمان، وبالكثرة، وبالأرض، ولا يستطيع أن تصل إلى لب الكون وقوته، ووحدته. وكانت المشكلة التي يواجهها الصوفي هي أن يطهر النفس التي هي عضو داخلي للإدراك الروحي، وإن يوسع أفقها وحبها حتى تشمل أقصى ما يمكن أن تشمله، فإذا تم لها ذلك رأت بقوة البصر الواضحة المجردة من الجسم معالم الكونية، والخلد، والألوهية، ثم عادت، وكأنها عادت من نفي طويل المدى، إلى الوحدة مع الله الذي افترقت منه حين ولدت عقاباً لها. ألم يعد المسيح ذوي القلوب الطاهرة أن يروا الله؟