ولما سجن يوحنا أخذ عيسى يقوم بعمل المعمدان ويخطب في الناس مبشراً بملكوت الله (٤٥)، ويقول لوقا إنه "عاد إلى الجليل"، وإنه "كان يعلم في مجامعهم"(٤٦). وليست لدينا صورة مطبوعة في أذهاننا عن ذلك الشاب المثالي وهو يقوم بدوره في قراءة الكتاب المقدس على المجتمعين في الناصرة، ويختار لهم فقرة من سفر اشعيا:"روح الرب عليّ لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمَسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق""والعُمى بالبَصر، وأرسل المنسحقين في الحرية"(١)، ويضيف لوقا "وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه، فابتدأ يقول إليهم إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم"، وكان الجميع يشهدون ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فيه (٤٨). ولما عرف أن يوحنا قد قُتل وأن أتباعه كانوا يبحثون عن زعيم جديد تحمل يسوع العبء وما يستتبعه من خطر، وارتد أولاً في حذر وحيطة إلى القرى الهادئة وصار يتجنب على الدوام الجدل السياسي، ثم أصبح في كل يوم أعظم جرأة في إعلانه إنجيل التوبة، والإيمان، والنجاة، حتى ظن بعض أتباعه أنه هو يوحنا قام من بين الأموات (٤٩).
وإنا ليصعب علينا أن ننظر إليه نظرة موضوعية مجردة. وليس سبب هذه الصعوبة مقصوراً على أن كل ما نعرفه عنه منقول عن الذين كانوا يعبدونه، بل إن من أكبر أسبابها أن تراثنا الأخلاقي ومُثُلنا العليا وثيقا الصلة به، تكونا
(١) هذا الجزء من إنجيل لوقا ٤: ١٨ وإن كان المؤلف يضيفه إلى الآيات السابقة المنقولة عن سفر إشعيا. (المترجم)