وقام في وسط هذا الفساد والانحلال رجل كان بقية من رجال الأيام الخالية وداعية للسير على سننها. ذلك هو ماركس بورسيوس كاتو Marcus Porcius Cato الأصغر. وكان قد خرج على مبدأ من مبادئ جده الأعلى فدرس اللاتينية وأفاد منها تلك الفلسفة الرواقية التي بعثت فيه مع عقيدته الجمهورية إخلاصه القوي الذي لم يفارقه قط طول حياته. وورث كاتو من المال مائة وعشرين تالنتا (أي ما يعادل ٤٣٢. ٠٠٠ ريال أمريكي) ولكنه عاش عيشة بسيطة كلها جد ونشاط، وكان يقرض المال ولكنه لا يتقاضى عن قرضه فوائد. وكانت تعوزه فكاهة جده الأعلى الخشنة، وقد أزعج الناس بما كان يتصف به في ظنهم من الاستقامة الصارمة العنيدة والاستمساك بالمبادئ استمساكاً لا يتفق في رأيهم مع روح العصر الذي يعيش فيه، ذلك أن حياته نفسها كانت اتهاماً لحياتهم لا يغفرونه له، وكانوا يتمنون أن لو مال قليلاً نحو الرذيلة، ولو لم يكن هذا إلا احتراماً لعادات بني الإنسان وتأدباً في حقهم. وما من شك في أنهم قد ابتهجوا حين فعل كاتو فعلة تكاد تنم عن سخريته بالمرأة واعتقاده أنها ليست إلا أداة للتناسل "فأعار" زوجته كارسيليا إلى صديقه هورتلسيوس Hortensius - أي طلقها وحضر زواجها الذائع الصيت- ولما مات هورتلسيوس بعدئذ أعادها إلى عصمته (٢٨). ولم يكن في وسع معاصريه أن يحبوه لأنه كان ألد أعداء الخيانة والسفالة. وأشد المدافعين عن حقوق الآباء على أبنائهم وأسرهم. وكان نقده لأخلاق ذلك العصر أقسى واشد صرامة من نقد الرقيب كاتو الأكبر نفسه. وقلما كان يضحك أو يبتسم، ولم يحاول