وكان حلمه الأخير العظيم أن يفعل ما فعله الإسكندر وتراجان: فيرفع العلم الروماني على العواصم الفارسية، ويقضي القضاء النهائي على الخطر الفارسي الذي كان يهدد أمن الدولة الرومانية وسلامتها. وللوصول إلى هذه الغاية عني أعظم عناية بتنظيم الجيش، وباختيار ضباطه، وترميم الحصون المشيدة على التخوم وخزن المؤن في المدن القائمة على طريق نصره. فلما تم له ذلك جاء إلى إنطاكية في خريف عام ٣٦٢، وجمع فيها جنوده؛ واغتنم تجار المدينة احتشاد الجنود فيها فرفعوا أسعار الحاجيات، وشكا الناس قائلين "إن كل شيء موفور ولكن كل شيء غالي الثمن". فما كان من يوليان إلا أن استدعى إليه رؤساء الأعمال الاقتصادية وأخذ ينصحهم بالحد من مكاسبهم، فوعدوه بذلك ولكنهم لم يوفوا بوعدهم؛ فلما يئس منهم "حدد ثمناً عادلاً لكل سلعة وأعلنه للناس جميعاً"، ثم عمل على استيراد أربعمائة ألف موديوس (١) من القمح من بلدان سوريا ومصر (٥٢) وأحتج التجار بأن الأثمان التي حددها لم تترك لهم شيئاً من الأرباح، وابتاعوا في الخفاء القمح المستورد، ونقلوه هو وبضاعته إلى مدن أخرى، ووجدت إنطاكية نفسها تزخر بالنقود وتفتقر إلى الطعام. وسرعان ما قام العمة ينددون بيوليان لتدخله في هذه الشؤون، وأخذ الفكهون يسخرون من لحيته ومن انهماكه في خدمة الآلهة الأموات. ورد عليهم يوليان بنشرة أصدرها سماها "كاره اللحى" (Misopogon) حو ت من الفكاهة والمتعة ما لا يتفق مع مقام إمبراطور. فقد اعتذر في سخرية عن لحيته، وعنف أهل إنطاكية على وقاحتهم،