إن الاعتقاد السائد هو أن أرسطو فيلسوف قبل كل شيء، ولعل هذا من الأخطاء الشائعة؛ بيد أننا سنعده في هذا الكتاب عالماً طبيعياً أولاً، حتى إذا لم يكن لهذا سند إلا أنه رأى في الرجل جديد.
وأول ما نقوله عنه أن عقله الطلَعة يهتم بعملية الاستدلال وأصولها الفنية، ويحلل هذه العملية والأصول تحليلاً بلغ من الدقة حداً اصبح معه الأورغانون (Organon) أو الآلة) الفكرية (- وهو الاسم الذي أطلق بعد وفاته على رسالاته في المنطق- المرجع الذي ظل المناطقة يعتمدون علية مدى ألفي عام. وهو يتوق إلى أن يكون واضح التفكير، وإن كان لا يصل إلى هذا الغرض فيما لدينا من كتبه إلا نادراً؛ فهو يقضي نصف وقته في تعريف مصطلحاته، فإذا فرغ من هذا شعرَ بأنه قد حل المسئلة التي يبحث فيها. وهو يرَّف التعريف نفسه تعريفاً دقيقاً بأنه تحديد الشيء أو الفكرة بذكر الجنس أو الصنف الذي ينتمي إليه ذلك الشيء، أو تنتمي إليهِ تلك الفكرة) كقوله "الإنسان حيوان"(والفروق الخاصة التي تميزه أو تميزها عن جميع أفراد الصنف (الإنسان حيوان عاقل). ومما تمتاز به طريقته المنظمة أنه قسم المظاهر الرئيسية التي يمكن دراسة أي شيء بمقتضاها عشرة أقسام: المادة، والكم، والكيف، والعلاقة، والمكان، والزمان، والموضع، والمِلْك، والفاعلية، والانفعالية- وهو تصنيف وجد فيه بعض الكتاب ما يعينهم على تنشيط ذهنهم الكليل.
وهو يرى أن الحواس هي المصدر الوحيد للمعرفة، وأن القوانين العامة ليست إلا أفكاراً معممة، وأنها ليست فطرية بل تكونت من مشاهدات للأشياء المتماثلة، فهي مدركات وليست أشياء. وهو يقرر قرار