كان ليبنز Leibniz على حق في وصف العالم (الكون) بأنه مجموعة من عناصر الوجود الأولية monads مركبة ومتصارعة، وكل منها يمثل محوراً أو مركزاً لقوة Force وإرادة Will وذاتية individuality.
وربما كانت حياة مين دي بيران الموزّعة بين السياسة والفلسفة بالإضافة إلى المشاركات الحية في اللقاءات الأسبوعية في المعهد العلمي مع كل من كوفييه، وروييه كولار Royer-Collard وأمبير Ampere وجيزو Guizot وفيكتور كوزي Victor Cousin، قد أصبحت حياة خصبة وشاقة، فتدهور صحته وقربت حياته القصيرة البالغة ثمانية وخمسين عاما من الانتهاء، فتحول من التفكير العقلي الواسع المدى إلى الإيمان الديني الهادئ وأخيراً إلى الصوفية (التأمل الباطني) التي انتشلته من آلام العالم. لقد قال إن الإنسان لابد أن يترقّى من المرحلة الحيوانية الحسّية إلى المرحلة الإنسانية حيث الإرادة الحرة الواعية ليذوب في الوعي بالله وحبهّ.
[٥ - أصوات محافظة]
لقد أضعف مفكرو القرن الثامن عشر الحكومة الفرنسية بتشكيكهم في مصداقية الكنيسة وموقفها الأخلاقي وبدعوتهم إلى الاستبداد المتنّور (فكرة المستبد العادل enlightened despotism) للتخفيف من شرور الجهل، وعدم الكفاءة والفساد والظلم والفقر والحرب. وقد أجاب فلاسفة بواكير القرن التاسع عشر على هؤلاء الحالمين بالدفاع عن ضرورة الدين وحكمة التراث وسلطة الأسرة ومزايا المَلَكية monarchy (بفتح الميم واللام) الشرعية والحاجة الدائمة لأسيجة (حدود سياسية) وأخلاقية واقتصادية لمواجهة طوفان الجهل والطمع والعنف والبربرية وزيادة السكان عن المعدَّل المطلوب.
هناك رجلان في هذه الفترة أدانا بغضب دعوة القرن الثامن عشر للتحول من الإيمان إلى العقل ومن التراث للتنوير. ولد الفيكونت لويس جبريل امبروز دي بونال Ambroise de Bonald) ١٧٥٤) في أسرة تنعم بالرخاء ودرس في ظل الأمن والطاعة والتقوى. واعترته الدهشة لأحداث الثورة الفرنسية وأصبح مهدّداً فهاجر إلى ألمانيا