للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السياسية، ولكنها رفعت شأنه بين الفلاسفة الفرنسيين في عصره وجعلته في مكان الصدارة، وحقق شهرة سنة ١٨٠٢ بفوزه بالجائزة الأولى في مسابقة موّلها المعهد العلمي. وبدت مقالته أثر العادة في القدرة على التفكير L'Influence de l'habitude sur les facultes de penser تنهج نهج وهات النظر الحسية التي قال بها كوندياك بل وحتى السيكولوجيا الفسيولوجية (علم النفس الفسيولوجي) التي قال بها ديستوت دي تراسي Destutt de Tracy.

" لقد كتب أن طبيعة الفهم ليست أكثر من مجموع العادات الرئيسية للعضو المركزي الذي لابد من اعتباره الحاسة الجامعة للإدراك وفكر في أن المرء قد يفترض أن أي تأثير (انفعال) في الحقيقة ممثل في المخ بحركة عن طريق الألياف العصبية لكن مع الإستطراد ابتعد عن هذه الفكرة التي تعني أن العقل ليس أكثر من جامع لحواس الجسم، فقد بدا له أنه عند بذل الجهد للانتباه أو جمع الإرادة يصبح العقل فعّالاً، وفاعلاً أصيلاً وليس مجرد اختصار لأي تجميع لإشارات الحواس".

واتسعت هوّة الخلاف مع الأيدلوجيين في سنة ١٨٠٥ بنشر مبحث مذكرات عن تحليل التفكير Memoire sur la decomposition de la pensee الذي يتفق مع رجوع نابليون للدين. لقد برهن مين دي بيران على أن الجهد المبذول لتحقيق الإرادة يُظهر أن روح الإنسان ليست مجرد ترداد سلبي لحواسه وإنما هي إيجابية وذات قوة إرادية كاملة. إنها الجوهر الحقيقي للنفس، فالإرادة والذات (الأنا ego) شيء واحد. (شوبنهاور Schopenhauer سيركز على هذه الإرادية Voluntarism في سنة ١٨١٩ وستستمر في الفلسفة الفرنسية لتأخذ شكلاً متألقاً عبقرياً على يد بيرجسون Bergson) . هذه الإرادة المبذولة بجهد بالإضافة للعوامل الأخرى هي التي تقرر الفعل، فيصبح الإنسان حر الإرادة Free will (قضاؤه وقدره في يده) وبالتالي لا يصبح مجرد آلة لا معنى لها. هذه القوة الداخلية هي حقيقة روحية وليست مجرد تجميع لخبرات الحواس والذكريات. وليس هناك شيء مادي عنها، ولا نعرف لها حيزا أو مكانا. حقيقة - كما يقول مين دي بيران - ربما كانت كل القوى - على هذا النحو - غير مادية ولا يمكن فهما إلا - بالقياس التمثيلي - للإرادة نفسها. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه