للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الثالث

[أفلوطينس]

يضاف إلى هذا أن سلسس كان متقدماً عن العصر الذي يعيش فيه؛ فقد كان يطلب إلى الناس أن يتخلقوا بأخلاق السادة المهذبين المتشككين في وقت كانوا يعتزلون فيه مجتمعاً استبعد الكثيرين منهم إلى عالم متصوف يجعل من كل إنساناً إلهاً. وكان شعور الناس بهذه القوى التي لا تدركها الحواس، وهو الشعور الذي يقوم عليه الدين، قد أخذ ينتشر انتشاراً واسعاً ويتغلب على مادية العصر الذي كان يزدهي بما فيه، والذي كانت تسوده المادية والجبرية. وكانت الفلسفة في ذلك الوقت تتخلى عن تفسير التجارب الحسية التي هي ميدان العلوم الطبيعية، وتوجه همها كله إلى دراسة العالم الغير المنظور. وأنشأ الفيثاغوريون الجدد والأفلاطونيون الجدد من نظرية فيثاغورس في تناسخ الأرواح، وآراء أفلاطون في الأفكار الإلهية، نظاماً من الزهد أرادوا به أن يقووا الإدراك الروحي بأمانة الحواس الجسمية، وأن يعودوا بتطهير أنفسهم إلى صعود الدرج التي انحطت بها الروح من عالم السماوات وسكنت في جسم الإنسان.

وكان أفلوطينس أكبر الممثلين لهذه الفلسفة الدينية الصوفية. وكان مولده في ليقوبوليس عام ٢٠٣ م، أي أنه كان قبطياً مصرياً ذا اسم روماني وتربية يونانية. وعثر على الفلسفة في سن الثامنة والعشرين، وأخذ ينتقل من معلم إلى معلم دون أن يجد في أحد منهم بغيته حتى وجد طلبته في الإسكندرية، فقد كان فيها وقتئذ أمونيوس سكاس Ammenius Saccas وهو رجل مسيحي ارتد إلى الوثنية، وكان يحاول التوفيق بين المسيحية والأفلاطونية، كما فعل تلميذه أرجن من بعده. وبعد أن تتلمذ أفلوطينس على أمونيوس عشر سنين انضم إلى جيش موجه إلى بلاد