بلغ التمثيل في ذلك العهد، كما بلغ غيره من الفنون، ذروته من حيث كمية الإنتاج، ولقد كان لكل مدينة بل كاد يكون لكل بلدة في المرتبة الثالثة دار للتمثيل. وكان الممثلون أحسن تنظيماً مما كانوا في أي عصر سابق، وكان الطلب عليهم كثيراً، وكانوا ينالون أجوراً عالية، ويعيشون من الناحية الخلقية عيشة أرقى من أهل زمانهم. وظل كتاب المسرحيات يكتبون المآسي، ولكن الدهر أسبل عليهم ثوب النسيان، سواء كان ذلك من قبيل المصادفات أو كان سببه ارتقاء أذواق الناس. لكن مزاج أثينة الهلنستية، كمزاج هذه الأيام، كان يفضل قصص المسلاة الحديثة، الخفيفة الروح، النزقة، العاطفية، ذات الخاتمة المفرحة. ولم يبقَ من هذه أيضاً إلا قطع متفرقة، ولكن لدينا نماذج منها غير مشجعة مختلسات بلوتس Plautus وترنس Terence الذين ألفا مسرحياتهما بترجمة المسالي الهلنستية وتحويرها. وقد أغفلت في المسالي الجديدة شؤون الدولة وشؤون الروح العليا التي ألهمت أرسطوفان لأن كتابة هذه المسالي كانت أكثر مما تتحمله طاقة الكتاب الأدبية؛ وكان موضوعها في العادة مأخوذاً من المنزل أو الحياة الخاصة، بتعقب الطرق الملتوية التي تُرفع بها النساء إلى منزلة الكرامة وتؤدي بالرجال مع ذلك إلى الزواج. وترى فيها الحب يسير في طريق النصر لكي يصبح أهم شيء على المسرح؛ وترى مئات الفتيات حائرات بائسات على المسرح ولكنهن ينلن الشرف ويحصلن على الأزواج في آخر المسرحية. ولم يبقَ وجود للملابس القديمة التي كانت تمثل فيها أعضاء الذكور، ولا للخلاعة والفجور الأولين؛ بل كانت تدور القصة في مجال ضيق حول عذرة السيدة