المسائل على الطلاب لحلها؛ وكان من هذه المسائل إيجاد:"الحركات المنتظمة المتساوية التي يمكن بالاستناد إليها تعليل حركة الكواكب"(٦٨)؛ ولعل أودكسوس وهرقليدس قد وجدا في هذه البحوث ما يحفزهما إلى العمل. وكانت المحاضرات علمية، وكانت في بعض الأحيان مخيبة لآمال مَن جاءوها طلباً للكسب المادي، ولكن تلاميذ أرسطو ودمستين وليقورغ، وهيبريدس، وأكسانوقراطيس تأثروا بها أعمق التأثر ونشروا في كثير من الأحيان ما كتبوه عنها من مذكرات. وقال أنتفانس متفكهاً إن الكلمات التي كان ينطق بها أفلاطون أمام طلابه في شبابهم لم يفهموها إلا في شيخوختهم؛ كما كانت الألفاظ في إحدى المدن القائمة في أقصى الشمال تتجمد حين تخرج من أفواه المتكلمين ثم تُسمع في الصيف حينما تسيح (٦٩).
[٢ - الفنان]
يقر أفلاطون نفسه أنه لم يكتب في حياته رسالة علمية (٧٠)، ويشير أرسطوطاليس إلى ما كان يلقى من العلوم في المجمع العلمي بقوله "تعاليم" أفلاطون "غير المكتوبة"(٧١). ولسنا نعرف مدى اختلاف هذه التعاليم عما ورد في المحاورات (١)، وأكبر الظن أن هذه المحاورات كانت في بادئ الأمر وسيلة للترويح عن النفس، وأنها كانت تُلقى بطريقة فكهة إلى حد ما (٧٢). ومن سخريات التاريخ أن المؤلفات الفلسفية التي تدرس في الجامعات الأوربية والأمريكية والتي تَلقى فيها أعظم التقدير والإجلال في هذه الأيام قد ألفت لتقرب الفلسفة من أذهان غير العلماء بربطها بإحدى الشخصيات المعروفة. ولم تكن محاورات أفلاطون أول ما كُتب من الحوار الفلسفي، فقد اتبع زينون الإليائي وكثيرون غيره هذه الطريقة ذاتها (٧٣)، ونشر تيمن الأثيني قاطع الجلود بطريقة
(١) إن من فقرات في كتب أرسطو ما يوحي بأنه كان يفهم أفلاطون وخاصة نظريته في الأفكار على غير ما نفهمه نحن من المحاورات.