للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السادس عشر

[الجيوب اليهودية داخل البلاد الأجنبية]

١٥٦٤ - ١٧١٥

١ - الصفارديم (١)

إن بقاء اليهود أحياء بعد تسعة عشر قرناً من الشدة والثأر أشبه بلحن كئيب في تاريخ الجهل، والكراهية، والشجاعة، والمرونة. ذلك أنهم بعد أن حرموا الوطن، وأكرهوا على التماس الملجأ في جيوب عنصرية بين أعداء عتاة، وتعرضوا في كل لحظة للإهانة والظلم، وللمصادرة أو الطرد والمذابح الفجائية، دون أن يكون لهم سلاح يدافعون به عن أنفسهم سوى سلاح الصبر والمكر والتصميم اليائس والإيمان بدينهم-فإنهم عاشوا مغالبين خطوباً وشدائد لم يقو على مغالبتها شعب آخر في التاريخ، ولم تتحطم إرادتهم قط، ومن فقرهم وحزنهم أنجبوا شعراء وفلاسفة بعثوا ذكرى المشترعين والأنبياء العبرانيين الذين وضعوا الأسس الروحية للعالم الغربي.

وكان استئصال شأفة اليهود في أسبانيا الآن كاملاً تقريباً، فلم يكن لهم من بقاء الاكتيار مختبئ في الدم الأسباني، حتى أن أسقفاً أسبانياً استطاع أن يعرب عام ١٥٩٥ عن ارتياحه لأن اليهود المتنصرين أمكن استيعابهم بنجاح بطريق التزاوج بينهم وبين المسيحيين، وأن أخلافهم الآن مسيحيون أتقياء (٢). ولكن ديوان التفتيش لم يوافقه على رأيه هذا، ففي ١٦٥٤ أحرق عشرة رجال في كوينكا واثنا عشر في غرناطة، وفي ١٦٦٠ قبض على واحد وثمانين في إشبيلية، وأحرق سبعة، بتهمة التمسك سراً بالشعائر اليهودية (٣).


(١) ترد لفظة "صفارد" في التوراة (١) اسماً لإقليم في غربي آسيا أنزل فيه المتفيون اليهود بعد استيلاء البابليين على أورشليم. وفي تاريخ لاحق أصبحت الكلمة اصطلاحاً عبرياً على أسبانيا، فأصبح اليهود من أصل أسباني أو برتغالي يسمون الصفارديم.