لم يكن من نزوات التاريخ أن أصبح الجيش صاحب السلطة العليا في القرن الثالث، بل كان هذا أمراً طبيعياً. ذلك أن عوامل داخلية أضعفت الدولة وتركتها معرضة للغزو من جميع الجهات، وكان وقف التوسع بعد أيام تراجان ثم بعد أيام سبتوميوس، إيذاناً ببدء الهجوم عليها، فأخذ البرابرة يفتحون بلادها باتحادهم على غزوها، كما كانت روما تفتح بلادهم لتفريقهم. وزادت ضرورة الدفاع من قوة الجيش ورفعت مكانة الجندية، وجلس القواد على العرش محل الفلاسفة، وخضع آخر حكم الأشراف لعودة حكم القوة.
وكان مكسمينس جندياً طيباً لا أكثر، وكان ابن فلاح تراقي. ونشأ صحيح الجسم قوي البنية، ويؤكد المؤرخون أن طول قامته كان يبلغ ثماني أقدام، وأن إبهامه كانت من الغلظة بحيث كان يلبس فيها اسورة زوجته كما كان يلبس الخاتم. ولم ينل شيئاً من التعليم. وكان يحتقر المعلمين ويحسدهم في وقت واحد، ولم يزر روما مرة واحدة في الثلاث السنين التي تولى فيها الملك بل كان يفضل حياة معسكره على الدانوب أو الرين. وقد اضطرته حاجته إلى المال لينفق منه في حروبه وفي استرضاء جنوده إلى فرض ضرائب فادحة على الأغنياء أغضبتهم فلم يلبثوا أن ثاروا على حكمه، وقبل جرديانس حاكم أفريقية الثري المتعلم ترشيح جيشه له إمبراطوراً منافساً لمكسمينس. وإذا كان وقتئذ في الثمانين من عمره فقد أشرك معه ولده في هذا المنصب المهلك. وعجزا جميعاً عن الوقوف في وجه القوى التي سيرها عليهما مكسمينس وقتل الابن في ميدان القتال أما الأب فقتل نفسه، وثأر مكسمينس لنفسه بأن حكم على عدد كبير من الأشراف بالقتل والنفي، ومصادرة