كانت دولة مدينة بنفنتو تقوم في شمالي إيطاليا النورمانية، وكان يحكمها أدواق من أصل لمباردي. وكان من ورائها الأراضي التي تخضع لحكم البابوات الزمني- "ميراث بطرس"- وتشمل أنياني، وتيفولي، وروما، ثم تمتد من المدينة الأخيرة إلى بروجيا Perugia.
وكانت روما مركز المسيحية اللاتينية، ولكننا لا نستطيع أن نعدها أنموذجاً للمسيحية؛ ذلك أنه لم تكن في العالم المسيحي مدينة أقل منها احتراماً للدين، إلا باعتباره إحدى مصالحها المكتسبة، ولم يكن لإيطاليا في الحروب الصليبية نصيب كبير، فلم تشترك مدينة البندقية مثلاً في الحرب الصليبية الرابعة إلا لتستولي على القسطنطينية، ولم تكن المدن الإيطالية تنظر إلى هذه الحروب إلا على أنها في الأغلب الأعم فرص تمكنها من إنشاء ثغور، وأسواق، وتجارة في بلاد الشرق الأدنى. وقد أجل فردريك الثاني حملته الصليبية إلى أبعد أجل مستطاع، ثم أقدم عليها وفي قلبه أضعف قسط من العقيدة الدينية. ولسنا ننكر أنه كان في روما رجال ذوو روح دينية رحيمة يساعدون الحجاج على تعهد أضرحة القديسين والاحتفاظ بها، ولكن أصوات هؤلاء الرجال لم تكن تعلو على صخب السياسة وضجيجها.
وإذا ما غضضنا النظر عن البابوية، وجدنا روما في ذلك الوقت مدينة فقيرة، فقد كان انتهاب النورمان إياها خاتمة ستة قرون من الدمار والإهمال، نقص فيها عدد السكان إلى أربعين ألفاً أو نحوها، وكان عددهم في العهد القديم مليونا، ولم تكن مركزاً للتجارة أو الصناعة؛ وبينا كانت مدن إيطاليا الشمالية تتزعم الثورة