كان مزاج أوربا يتغير في بطء-سواء كان التغيير خيراً أو شراً-من الإيمان بالخوارق إلى النزعة العلمانية، ومن اللاهوت، ومن آمال الجنة ومخاوف الجحيم التي خطط توسيع المعرفة وتحسين حياة البشر. فأما الطبقات العليا التي واصلت أساليب حياتها الأبيقورية فلم تعترض كثيراً على إيمان ديني كانت تاره مفيداً للجماهير الشقية التي حرمت فردوس الحسب والنسب، ولكن كان هناك نفر، حتى من بين هذه القلة المميزة، ممن تلهوا بالعلم، ووازنوا المعادلات، وأحرقوا أصابعهم أو نشقوا بأنوفهم في المختبرات، أو تفرسوا بدهشة في النجوم المتكاثرة. ففي باريس مثلاً تزاحمت سيدات المجتمع العصريات على محاضرات ليميري في الكيمياء، وعلى شروح دوفرنية في التشريح، ودعا كونديه ليميري إلى صالونه الخاص جداً، وعين لويس الرابع عشر دوفرنيه ليساعد على تعليم الأمير الوارث للعرش. وفي إنجلترا كان لتشارلز الثاني "مختبر كيميائي" خاص به، وحاول البارونات، والأساقفة، والمحامون القيام بالتجارب، وأقبلت الخليلات الأنيقات في مركباتهن ليشهدن عجائب المغناطيسية، وهوى ايفلين الفيزياء، وأراد إنشاء معهد للبحث العلمي، ووجد بيبيس وقتاً-وسط شغله بالمراكب والنساء-لاستعمال المكرسكوب، ومضخة الهواء وسكين التشريح، وأصبح رئيساً للجمعية الملكية.
وتخلفت الجامعات عن الشعب في هذا الاهتمام الجديد، ولكن الأكاديميات الخاصة التقطته. ويلوح أن البادئ كان "أكاديمية أسرار الطبيعة" بنابلي (١٥٦٠)، ثم أكاديمية "دي لنتشي" بروما (١٦٠٣) التي كان جاليليو ينتمي إليها، ثم أكاديمية "ديل تشيمنتو"، التي أنشأها تلميذاه تفياني وتوريتشيللي في فلورنسة (١٦٥٧). وقد