كان يعيش في بلاط كوزيمو في ذلك الوقت رجل يجمع في أخلاقه بين العنف ورقة الشعور، وبين كل المطالب الجنونية للجمال في الحياة والفن، وبين البهجة التي تبعثها صحة الجسم، والحذق، والسلطان، التي امتاز بها عهد النهضة. وكان إلى هذا كله مالكاً لتلك الموهبة التلقائية التي تمكنه من أن يعبر عن أفكاره ومشاعره، وتقلبات حظه، ومزاياه في سيرته الذاتية التي تعد من أكثر السير متعة وأبقاها على الأيام. ولم يكن بينفينيتو المثل الكامل لعبقرية النهضة- وفي الحق إننا لا نستطيع أن نجد رجلا واحداً يمثل تلك العبقرية أكمل تمثيل؛ ذلك أنه ينقصه تقوى أنجليكو، ودهاء مكيفلي، وتواضع كستجليوني، وجذل رافائيل ودماثة خلقه؛ وما من شك في أن الفنانين الإيطاليين في ذلك العهد لم يتحكموا كلهم في القانون كما يشاءون وكما كان بينفينوتو يتحكم فيه، ولكننا حين نقرأ قصته المضطربة القلقة، نحس بأن كتابه يرجع بنا إلى ما وراء مظاهر النهضة، إلى قلبها نفسه، أكثر مما يرجع بنا أي كتاب سواه.
وهو يبدأ كتابه بهذه العبارة التي تجرد القارئ من كل سلاح يريد أن يوجهه إليه:
"يجب على جميع الرجال، أيا كانت صفتهم، إذا كانوا قد قاموا بعمل ممتاز، أو شبيه شبهاً حقاً بالعمل الممتاز، وإذا كانوا ممن يتصفون بالصدق والأمانة، يجب على هؤلاء جميعاً أن يكتبوا حياتهم بأيديهم، ولكن عليهم ألا يبدءوا هذه المغامرة الظريفة الجميلة حتى يصلوا إلى ما بعد سن الأربعين. وقد خطر لي أنا نفسي أن أقوم بهذا الواجب، بعد أن جاوزت سن