الثامنة والخمسين، وبعد أن جئت لأقيم في فلورنس مسقط رأسي.
ويفخر بأنه "ولد وضيعاً"، وأنه أذاع شهرة أسرته، ويؤكد لنا في الوقت نفسه أنه من نسل ضابط من ضباط يوليوس قيصر، ويحذرنا بقوله "إنه لابد أن يوجد في عمل كهذا ما يدعو بطبيعة الحال إلى التفاخر الذي هو من طبيعة الإنسان"(٣٥). وقد سمى بنيفينوتو- مرحباً- لأن أبويه كانا ينتظران أن تولد لهما بنت، فلما جاءهما ولد دهشا دهشة الفرح. وقد عمر جده مائة عام (وأكبر الظن أنه خالف حكم كرنارو بأجمعها) وورث تشيليني حيويته، وأتى في إحدى وسبعين سنة قدر ما أتاه هذا الجد في مائة السنين. وكان والده مهندساً، وحافراً للعاج، ومولعاً بالناي؛ وكان أمله المرتجى أن يكون بينفينوتو نافخاً في الناي محترفاً في فرقة موسيقية ببلاط آل ميديتشي. ويبدو أنه قد وجد في سنيه الأخيرة من السرور حين سمع أن ابنه قد أصبح نافخاً في الناي في فرقة البابا كلمنت الخاصة، أكثر مما وجد في الصياغة التي كان الشاب يكسب منها المال والشهرة.
ولكن بينفينوتو كان مولعاً بالأشكال الجميلة أكثر من ولعه بالأصوات المتناغمة، وقد رأى بعض أعمال ميكل أنجيلو، واستثار الفن كامن شعوره؛ ودرس الرسوم التمهيدية لصورة واقعة بيزا، وبلغ من تأثره بها أن بدا له سقف معبد ستيني نفسه أقل روعة منها، وذهب ليتمرن عند صانع مخالفاً في ذلك إلحاح أبيه، ولكنه أراد أن يسترضي أباه فواصل المران على الناي البغيض، وعثر في بيت فلبينولي على كتاب ذي صور تمثل آثار روما الفنية القديمة. وكان يتحرق شوقاً ليرى بعيني رأسه تلك النماذج الذائعة الصيت، وكثيراً ما تحدث إلى أصدقائه عن رغبته في الذهاب إلى العاصمة؛ وبينما كان هو شاب آخر ممن يحرقون الخشب يدعى جيامباتستا تاسو Ciambattista Tasso يسيران إلى غير مكان مقصود ويتحدثان بعواطف ثائرة، إذ وجدا نفسيهما عند باب سان بيرو جتوليني San Piero Gatolini؛ وقال بينيفينوتو إنه يحس