للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الباب العشرون

[الانحلال الخلقي]

١٣٠٠ - ١٥٣٤

الفصل الأول

[منابع الفساد الخلقي وأشكاله]

ليس ثمة ميدان يمكن أن يتعرض فيه المؤرخ لتأثير أهوائه وميوله فيضل ويصدر حكاماً خاطئة، كالميدان الذي يطرقه حين يريد التحقق من المستوى الأخلاقي لعصر من العصور- اللهم إلا إذا كان هذا الميدان هو ميدان البحث في أسباب ضعف العقيدة الدينية، وهو ميدان وثيق الصلة بميدان الأخلاق، ففي كلتا الحالتين يكون أكثر ما يسترعي نظره هو الاستثناء غير المألوف الذي يؤثر في النفس بمظهره فيصرف الإنسان عن الأحوال المألوفة التي لا تسجلها صفحات التاريخ. وإذا ما أقبل على المشكلة التي أمامه ولديه فكرة يريد أن يثبتها كالفكرة القائلة إن التشكك في أمور الدين يؤدي إلى انحلال الأخلاق- نقول إنه إذا أقبل على المشكلة بهذه الفكرة زادت الحقائق انطماساً فيعجز عن تبين الحقيقة كاملة. هذا إلى أن الحادثات المسجلة قد تفسر بالنقيضين، ويكاد يستطيع قارئها أن يثبت بها أي شيء حسب ما يختاره من تلك الحادثات مدفوعاً إلى ذلك بميله وهواه. ففي وسعه مثلا أن يوجه اهتمامه إلى مؤلفات أريتينو Aretino وسير تشيليني Cellini الذاتية، ورسائل مكيفلي وفتوري ليشتم منها رائحة الانحلال، كما أن