للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مقدوره أن ينقل من رسائل إزبلا وبيتريس دست، ورسائل إلزبتا جندساجا وألسندرا استرتسى ما يصور به الحنان الأخوي والحياة البيتية المثالية. ولهذا ينبغي لقارئ التاريخ أن يكون على حذر.

وكان ثمة عوامل كثيرة سبب ذلك الانحلال الخلقي الذي صاحب ما كان في النهضة من رقي فكري عظيم. وأكيد الظن أن العامل الأساسي في هذا الانحلال هو زيادة الثراء الناتج من موقع إيطاليا الهام في ملتقى الطرق التجارية بين أوربا الغربية وبلاد الشرق، ومن تدفق العشور وغيرها من القروض التي كانت ترد إلى روما من ألف مجتمع مسيحي. وزاد انتشار الإثم بازدياد المالي الذي تتطلبه نفقاته، وأضعف انتشار الثراء اتخاذ الزهد مثلا أعلى للحياة: فقد أصبح النساء والرجال يشمئزون من المبادئ الأخلاقية التي قامت على الفقر والخوف، والتي أضحت الآن تتعارض مع غرائزهم ووفرة مالهم. وأخذوا يستمعون بعطف متزايد إلى آراء أبيقور القائلة إن على الإنسان أن يستمتع بالحياة، وإن كل الملذات يجب أن تعد بريئة حتى يثبت جُرمها. وغلبت مفاتن النساء أوامر الدين ونواهيه.

وربما كان العامل الثاني الذي يلي الثراء في إفساد الأخلاق هو ما كان في ذلك العصر من تقاتل سياسي. ذلك أن تطاحن الأحزاب والشيع المتعادية، وكثرة الحروب، وتدفق مرتزقة الجنود الأجانب، وما حدث بعد ذلك من غزو الجيوش الأجنبية أرض إيطاليا، وهي جيوش لم تكن تراعى في تلك الأرض أي قيد من القيود الخلقية، واضطراب أحوال الزراعة والتجارة بسبب ويلات الحرب وتخريبها، وقضاء الحكام المستبدين على الحرية واستبدالهم القوة الغاشمة بالسلم والقانون: كل هذه الظروف أشاعت الاضطراب في حياة لإيطاليا وحطمت العادات التي كان الأهلون يعتزون بها ويحافظون عليها، وهي في العادة الحارس الأمين على الأخلاق. ووجد الناس أنفسهم يضربون على غير هدى في بحر عجاج من العنف والجبروت،