وفي وفرة التفاصيل ما يجدونه في أحسن الصور الملونة التي رسمت في ذلك الوقت. ومنهم من كان يشكو من أن هذه النقوش تعتدي على فن التصوير أكثر مما يجب، وتتخطى التقاليد الموضوعة لفن النقش اليوناني الروماني القديم. ولسنا ننكر أن هذه الشكوى الصادقة من الوجهة العلمية النظرية البحتة، ولكن الأثر الذي تحدثه كان أثرا حيا واضحا ساميا. وكان هذا الباب المزدوج الثاني بإجماع الآراء أجمل من الباب الأول. وكان ميكل أنجيلو يرى أنه «بلغ من الجمال حدا يجعله خليقا بأن يزدان به مدخل الجنة»، وكذلك يقول عنه فاساري، وهو بلا ريب لا يفكر إلا في النقوش، إنه «يبلغ حد الكمال في جميع دقائقه وتفاصيله، وإنه أجمل آية فنية في العالم كله عن الأقدمين والمحدثين على السواء (٤١)». وسرت فلورنس من هذا العمل سرورا دفعها إلى أن تختار جبرتي لمجلس السيادة في المدينة، ووهبته من المال ما يستعين به على الحياة في شيخوخته.
[٢ - دوناتلو]
يظن فاساري أن دوناتلو كان من بين الفنانين الذين اختيروا لكي يعدوا لوحات تجريبية لأبواب بناء التعميد، ولكن الحقيقة أن دوناتلو كان وقتئذ غلاما لا يتجاوز السادسة عشرة من العمر. وقد أطلق عليه أصدقاؤه ذلك الاسم المصغر المحبب الذي يعرفه به الخلف، أما اسمه الحقيقي فهو دوناتو دي نقولو دي بتوباردي Donato di Niccol? di Betto Bardi. ولم يتعلق في مشغل جبريتي إلا بعض فنه، ولكنه سرعان ما شق طريقه لنفسه وانتقل من رشاقة نقوش جبرتي النسوية إلى تماثيل الرجولة المجسمة, وأحدث في فن النحت انقلابا يقوم على إخلاصه للطبيعة وتمسكه بأصولها وقوة شخصيته المبتكرة وطرازه المبدع الخالي من الزخرف والتجميل، أكثر مما يقوم على الأساليب والأهداف اليونانية