لقد تأخر اضمحلال الحضارة اليونانية من ناحية الفن زمناً طويلاً. ففي هذه الناحية لا يقل ازدهار العصر الهلنستي، في خصوبة الإنتاج وفي الابتكار، عن ازدهار أي عصر آخر في التاريخ. وما من شك في أن الفنون الصغرى لم يطرأ عليها شيء من الاضمحلال، وأن مهرة الصناع في الخشب والعاج والفضة والذهب انتشروا في جميع أنحاء العالم اليوناني الذي اتسعت رقعته. وفيهِ بلغ الحفر على الجواهر والنقود أعلى درجاته، وكان الملوك الهلنستيون في البلاد الممتدة إلى بكتريا يحلون نقودهم بالكثير من النقوش، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن القطعة ذات العشر الدرخمات من نقود هيرون الثاني كانت أجمل ما رأته العين في فن المسكوكات الذي سجله التاريخ. واشتهرت الإسكندرية بمن فيها من صائغي الذهب والفضة، الذين لم يكن فنهم يقل جمالاً عن اسلوب شرائعها الذي لا تشوبه قط شائبة، كما اشتهرت بأحجارها الثمينة وأصدافها ذات النقوش البارزة الملونة، وبخزفها الأخضر والأزرق، وبفخارها المغطى بطبقة زجاجية بديعة، وبزجاجها الكثير الألوان ذي النقش الدقيق الجميل. ويتجلى هذا الفن بأجلى مظاهره في مزهرية بورتلاند Portland وهي في أغلب الظن من صنع الإسكندرية، فقد نُقشت عليها صور رشيقة محفورة في طبقة زجاجية ناصعة البياض في لون اللبن الصافي فوق جسم من الزجاج الأزرق. وما أشبه هذه