في الشمال، واستريا في الشرق، وفي الجنوب امتدت دولة فينيتسيا مخترقة كيودجا وروفيجو إلى نهر بو، وملكت عبر الأدرياتيك كتارو وبريفيتسا وأجزاء أخرى مما يقع في يوغوسلافيا وألبانيا، وكانت تملك في الأدرياتيك جزائر كورفو وكفالونيا وزنطة. وسكن هذا الملك المعقد نحو ثلاثة ملايين من الأنفس كل منها يعد نفسه مركز العالم.
[٦ - الحياة الفينيتسية]
أما مدينة البندقية (فينيتسيا) ذاتها عاصمة الجمهورية، فكانت تضم ١٣٧. ٠٠٠ - نسمة. وكانت الآن في فترة اضمحلال سياسي واقتصادي، بعد أن استولى الترك على إمبراطوريتها الأيجية، وانتزعت دول الأطلنطي الكثير من تجارتها الخارجية. وكان فشل الحروب الصليبية، وإعراض الحكومات الأوربية بعد انتصارها في ليبانتو (١٥٧١) عن تقديم المعونة للبندقية في الدفاع عن مخافر العالم المسيحي الأمامية في الشرق، ولهفة تلك الحكومات على أن تقبل من تركيا امتيازات تجارية ضنت بها على أشجع أعدائها (٣٣) -هذه التطورات كلها قد خلفت البندقية في حال من الضعف أعجزها عن الاحتفاظ ببهائها أيام النهضة، ومن ثم أن ترعى بيتها هي-فتمنح مملكاتها الإيطالية والأدرياتية حكومة صارمة في القانون، والرقابة السياسية، والإشراف الشخصي، ولكنها كفء في الإدارة، متسامحة في الدين والأخلاق، متحررة في التجارة الداخلية.
وكانت تحكمها أولجركية شأن غيرها من جمهوريات أوربا في القرن الثامن عشر. وفي هذا الخليط من حطام السلالات المختلفة-انطونيين وشيلوكيين وعطيليين، وبين جماهير لم تصب من التعليم حظاً يذكر، بطيئة التفكير سريعة الحركة، تؤثر اللذة على السلطة، كان معنى الديمقراطية -لو استقرت فيها-هو الفوضى المتوجة. ومن ثم قصر الحق في عضوية المجلس الأعلى على نحو ستمائة أسرة تضمنها "الكتاب الذهبي" ولكن هذه الأرستقراطية الوطنية أضيفت لها إضافات حكيمة من صفوف التجار ورجال المال وإن كانوا من دم غريب. وكان المجلس الأعلى يختار السناتو، الذي