بهذه الوسائل وأشباهها، يحصل على معونة رجال الأعمال بتشجيع التجارة عن طريق العملة الرسمية وعقد المعاهدات التجارية الأجنبية، ورفع المنزلة الاجتماعية للطبقات الوسطى. وإذ كان الحاكم بأمره مضطراً إلى الاعتماد على حب الشعب له لا على حقه الموروث في السلطان، فإن الدكتاتوريات كانت في الأغلب الأعم تتجنب الحروب وتناصر الدين، وتحفظ النظام، وتحث على الأخلاق الفاضلة، وترفع منزلة النساء في المجتمع، وتشجع الفنون، وتنفق المال بسخاء في تجميل مدائنها. والطغاة يفعلون هذا كله في كثير من الأحيان وهم محتفظون بصورة الحكومة الشعبية وأساليبها في العمل، ومن ثم كان الناس حتى في عهود
الاستبداد يتعلمون طرائق الحرية. وبعد أن تنتهي الدكتاتورية من تحطيم الأرستقراطية كان الشعب يحطم الدكتاتورية، ولم يكن يحتاج إلى تغييرات كثيرة ليجعل ديمقراطية الأحرار قائمة شكلاً وعملاً.
[٥ - قيام الدمقراطية]
لما توفي بيسستراتس في عام ٥٢٧ ورث أبناؤه السلطة من بعدهِ، وكانت حكمته قد اجتازت بنجاح كل اختبار إلا اختباراً واحداً، فقد أخفق في كسب حب أبنائه له. وقد وعد هبياس أن يكون عادلاً عاقلاً في حكمهِ، وظل ثلاثة عشر عاماً يسير على نهج أبيه. وكان أخوه الأصغر مولعاً بالحب والشعر؛ ولم يكن في هذا من الضرر أكثر من تبديد المال في هاتين الهوايتين؛ وكان هو الذي استقدم أنكريون Anacreon وسمنيدس Simonides إلى أثينة. غير أن الأثينيين لم يكونوا راضين كل الرضا عن أن يروا أزمة الحكم تنتقل بغير رضاهم إلى ابني بيسستراتس، وأخذوا يدركون أن الدكتاتورية قد مكنت لهم في كل شيء إلا حافز الحرية. على أن أثينة رغم هذا كانت تتمتع بالرفاهية ورغد العيش، ولولا أن الحب اليوناني الحقيقي يسير في طريق وعر شائك لاستطال