نعرفهما بهما الآن. وبفضل إدارته الرشيدة وتشجيعه العظيم ارتقى تسبيس وغيره من الكتاب بالتمثيل من تقليد هزلي ساخر إلى عمل فني قابل لأن يصل إلى ذروة الكمال في العهد الثلاثي العظيم من عهود المسرح الأثيني.
ولم يكن "استبداد" بيسستراتس إلا جزءاً من حركة عامة في المدن التجارية النشيطة التي كانت قائمة في بلاد اليونان في القرن السادس، والتي كانت تسعى لكي تستبدل بالحكم الإقطاعي على أيدي الملاك الأشراف السلطان السياسي للطبقة الوسطى المتحالفة مؤقتاً مع الطبقات الفقيرة (١). وكانت أهم الظروف التي مهدت لهذهِ الدكتاتوريات هي تركيز الثروة في أيدٍ قليلة تركيزاً وخيم العاقبة، وعجز الأغنياء عن الاتفاق على وسيلة للتوفيق بينهم وبين غيرهم من الطبقات. وإذ لم يكن للفقراء بد من أن يختاروا بين المال والحرية السياسية، فإنهم كالأغنياء سواء بسواء يؤثرون المال على الحرية، والحرية السياسية التي تستطيع البقاء وهي التي تشذب بحيث تمنع الأغنياء أن يستخدموا ما عندهم من مقدرة أو دهاء في تجريد الفقراء مما عندهم، وتمنع الفقراء أن ينهبوا الأغنياء بعنفهم أو بأصواتهم. ومن ثم كانت السبيل إلى السلطة في المدن التجارية اليونانية ممهدة سهلة: فما على من يريدها إلا أن يهاجم الأشراف، ويدافع عن الفقراء، ويتفاهم مع الطبقات الوسطى. فإذا وصل الطاغية إلى ما يرجوه من سلطان ألغى الديون، أو صادر الضياع الواسعة، وفرض الضرائب على الأغنياء ليمول بحصيلتها ما ينشئه من الأشغال العامة، أو أعاد توزيع الثروة المركزة في أيدٍ قليلة بوسيلة أخرى غير هذه الوسيلة. وفي الوقت الذي يضم فيه الجماهير إلى جانبه
(١) والكلمة الإنجليزية Tyrant أي المستبد أو الطاغية كلمة ليدية، ولعلها مشتقة من اسم ترها Tyrrha المدينة الليدية. ومعنى هذا اللفظ هو قلعة، ولعله ذو صلة بعيدة بلفظ Towc الإنجليزي (ولفظ بتريس اليوناني). ويبدو أن أول من وصف به هو جيجيس Gyges ملك ليديا.