وبينما كانت العلوم تسير قدماً في طريق الرقي كان الدين يكافح للاحتفاظ بولاء الطبقات المتعلمة وإبقائها إلى جانبه؛ وأدى النزاع الذي قام بين الدين والعلم إلى تشكيك الكثيرين في عقائد الدين، بل إنه دفع بعضهم إلى الإلحاد والكفر. وقد قسم الغزالي المفكرين المسلمين إلى ثلاث طوائف: كلها في نظره كافرة وهي المؤلهة، والربوبية (أو الطبيعية)، والمادية. فأما المؤلهة فتؤمن بالله، وبخلود الروح ولكنها تنكر الخلق وبعث الأجسام، وتقول إن الجنة والنار حالات روحية لا غير؛ أما الثانية فتؤمن بالله ولكنها تنكر خلود الروح وترى أن العالم آلة تعمل بنفسها؛ وأما المادية فترفض وجود الله إطلاقاً (١). وقامت حركة أخرى على شيء من النظام هي حركة الدهرية، وهؤلاء لا أدريون صريحون لا يؤمنون بشيء، وقد أعدم عدد من أتباع هذه الحركة ومن متبعي هذا المذهب إصبهان بن قرة الذي قال في يوم من أيام رمضان لأحد الصائمين الأتقياء إنه يعذب نفسه من غير داع، فالإنسان كالحبة ينبت وينمو ثم يحصد لكي يفنى إلى أبد الدهر … ثم نصحبه بأن يأكل ويشرب (٨٦).
وكان رد الفعل الذي نتج من هذه الحركة المتشككة هو ظهور أبي حامد الغزالي أعظم علماء الدين المسلمين، الذي جمع بين الفلسفة والدين، فكان بذلك عند المسلمين، كما كان أوغسطين وكانت الأوربيين. ولد أبو حامد الغزالي في طوس عام ١٠٥٨، ومات أبوه في صغره فكفله صديق له متصوف ودرس الغلام الشريعة، وعلوم الدين، والفلسفة. ولما بلغ سن الثلاثين عين أستاذاً
(١) لخص المؤلف هذا من المقدمة الثانية من كتاب تهافت الفلاسفة. (المترجم)