ولد أعظم العلماء الأقدمين في سرقوسة حوالي عام ٢٨٧ ق. م، وكان والده هو فيدياس Pheidias الفلكي؛ ويلوح أنه ابن عم هيرون الثاني أعظم حكام زمانه استنارة. وفعل أركميديز ما فعله كثيرون غيره من اليونان الهلنستيين الذين أولعوا بالعلوم، وكان لديهم من المال ما يمكنهم من إشباع هذا الولع، فسافر إلى الإسكندرية حيث درس على خلفاء إقليدس، وشُغف بالرياضيات وأفاد من دراستها فائدتين- انهماكاً فيها وموتاً مفاجئاً بسببها. وعاد من الإسكندرية إلى سرقوسة، حيث وهب حياته، كما يهب الربان حياتهم، لكل فرع من فروع العلوم الرياضية. وكثيراً ما كان يهمل كما يهمل نيوتن، طعامه وشرابه، والعناية بجسمه، لكي يتتبع نتائج نظرية رياضية جديدة، أو يرسم بالزيت أشكالاً على جسدهِ، أو بالرماد على الموقد، أو على الرمل الذي اعتاد علماء الهندسة اليونان أن يفرشوه على أرض منازلهم (٢). على أنه لم يكن تنقصه الفكاهة: فقد تعمد أن يضع في كتابه "الكرة والاسطوانة"، الذي يرى هو أنه أحسن كتبه، نظريات خاطئة (كما يؤكد بعضهم) ليمزح مع من أرسل إليهم المخطوط من الأصدقاء من جهة، وليوقع في الشرك لصوص العلم الذين يبيحون أن يغتصبوا لأنفسهم أفكار غيرهم من الناس من جهة أخرى (٣). وكان تارة يسلي نفسه بألغاز كادت أن توصله إلى اختراع الجبر كمشكلة الماشية الشهيرة التي حيرت لسنج أشد الحيرة (٤)، وتارة أخرى يخترع آلات عجيبة ليدرس بها القوانين التي يستخدمها. ولكن الذي كان يعنى بهِ وتلذه دراسته على الدوام هو العلم البحت يتخذه مفتاحاً لفهم الكون لا أداة للمنشآت العملية أو زيادة الثروة. ولم يكن يكتب للطلاب بل للعلماء