للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السّادس

[ثورة العاشقين]

وظل الشعر في هذه الأثناء ينتشر وتعلو مكانته، ولكن على غير ما كان يشتهي أغسطس. ذلك أن الفنانين العظماء، أمثال فرجيل وهوراس، وهم وحدهم الذين يستطيعون قرض الشعر الجيد في الموضوعات التي تطلبها الحكومة؛ فأما من كانوا أعلى من هذين الشاعرين قدراً فإنهم لا ينصاعون إلى هذه المطالب، وأما من كانوا أقل منهما شأناً فإنهم لا يستطيعون إجابتها. وقد خضع مصدران من مصارد الشعر الكبرى- الدين، الطبيعة، والحب- إلى سلطان الإمبراطورية، أما المصدر الثالث فقد ظل خارجاً على سلطانها غير خاضع لأي قانون حتى في أغاني هوراس. ثم فر الشعر فراراً بطيئاً على يد تيبلس Tibullus وبروبرتيوس Propertius، وثار ثورة سارت في طريق يحفه المرح المتزايد إلى خاتمة مفجعة.

وتفصيل ذلك أن ألبيوس تيبلس (٥٤ - ١٩) خسر الأرض التي ورثها عن آبائهِ كما خسر فرجيل أرضه حين وصلت نيران الحرب الأهلية بلدة بدوم Pedum- قرب تيبور Tibur- مسقط رأسه. وأنقذه مسالا من الفقر وأخذه مع حاشيته إلى بلاد الشرق، ولكن تيبلس مرض في الطريق وعاد إلى رومة مغتبطاً بنجاحه من الخرب ومن السياسة، فقد أمكنه ذلك من أن يصرف جهوده كلها في التغني بعشق الفتيات والفتيان، ونظم المراثي المصقولة على نمط يونانيّ الإسكندرية. وكتب الابتهال المألوف إلى دليا Dilia (وهو اسم لا نعرف عنه أكثر من هذا ولعله لم يقصد بهِ فتاة بعينها بل كان يسمى بهِ الكثيرات من عشيقاتهِ) التي تجلس أمام بابها كالحارسة العنيدة (٦٩)، يُذكّرها كما ذًكرت كثيرات من الغانيات قبلها أن الشباب