الحضارة شعب له نظام اجتماعي قامت عليه حكومة وقانون ودين وأخلاق وعادات وتقاليد ونظام تعليمي، مع إتاحة قدر كاف من الحرية للإبداع والتجربة وقدر كاف من الحرية لتكوين الصداقات وعلاقات الحب وأعمال الخير وتطويرها، وقدر كاف من الحرية يُتيح إبداع فن وأدب وعلم وفلسفة. والآن كيف كان حال هذه النظم والحريات في إنجلترا في الفترة من ١٧٨٩ إلى ١٨١٥ وكيف كان شكلهما (تكوينهما) وماذا نتج عنهما؟
في البداية نجد أن الفروق التي فرضتها الطبيعة بين الناس - فيما هو موروث، وفي الفرص والمهارات - جعلتهم يندرجون في طبقات تُسهم كل طبقة منها بنصيب في الحياة المشتركة. ولم يكن في إنجلترا نظام الطبقات المغلقة (أو المتحجرة) لأن الفرد ذا الثروة الكبيرة أو التفوق قد يترقى (يصعد) من طبقة إلى أخرى بل يصل حتى إلى مرتبة النبالة، وغالبا ما كانت العلاقة بين النبيل والفلاح تتسم بروح الصداقة وقلما تكون ذات طابع برهمي of Brahmin (أو علاقة لا تسمح بأن يمس (يلمس) الفلاحُ النبيلَ). وكانت القِنانة Serfdom (عبودية الأرض) قد اختفت رغم أنه لم تكن هناك إلا أقلية تمتلك الأرض التي تزرعها. وكان النبلاء يدفعون الضرائب مثل غيرهم وفي بعض الأحيان (على عكس نظرائهم الفرنسيين) كانوا يعملون في مجال التجارة أو الصناعة. ولم يكن يرث لقب النبالة إلا الابن الأكبر أما بقية الأبناء فكانوا من الناحية القانونية (وليس الاجتماعية) من العوام.
وظلت كثير من مظاهر عدم المساواة (الفوارق) غير الطبيعية باقية. وكان تركُّزُ الثروةِ شديداً بشكل غير عادي. وكانت المساواةُ أمام القانون غير ذات معنى بسبب ارتفاع تكاليف التقاضي. ولم يكن ممكنا محاكمة اللوردات المتهمين إلا في مجلس اللوردات (الشيوخ)، وظلت مزايا النبالة هذه مستمرة حتى سنة ١٨٤١. وكان من الممكن إجبار