أسبانيا والنمسا، وانهم متعهدون بالطاعة العمياء للبابا وميالون إليها، وهو ليس إلا سجيناً جغرافياً للهابسبورج وتابعاً مالياً لهم، فهم لا محالة مملون على هنري سياساته إن عاجلاً أو آجلاً فإن أخفقوا فسيقنعون أحد المتعصبين «بأن يقضي عليك بالسم أو بغيره» وأجاب هنري بأن مساندة اليسوعيين سيكون له عوناً كبيرًا على توحيد فرنسا، وأن استمرار نفيهم وعدائهم أشد خطراً على حياته وسياساته من عودتهم إلى فرنسا (١) وقبل اليسوعي بيير كوتون كاهن اعتراف له، ووجده إنساناً لطيفاً وفياً، ثم فرغ بعد ذلك لحكم فرنسا ولزعازع الحب العاتية.
[٥ - زير النساء]
في متحف كونديه بشانتي لوحة شائقة رسمها فرانس بوربي الابن، يبدو فيها هنري في عنفوان قوته وعزته. رشيق البنية، بسيط الملبس في سراويل منفوخة وصدرة وجوارب سوداء، ذراعه اليسرى على خاصرته، وتحت لحيته الشيباء طوق مكشكش، ثم أنف أشم، وفم حازم، وعينان فيهما تيقظ وتشكك ورحمة. ولقد خلعت عليه سنو الحملات الطوال مشية الجندي وخلقه وريحه: فهو قوي نشيط لا يكل، له من شواغله ما يمنعه من الإسراف في النظافة أو من تغيير ملابسه حين يجب تغييرها؛ قال صديق إنه كان أحياناً «تفوح من جسده رائحة خبيثة كأنه الجيفة (٢٥)» كان بعد يوم من السير أو القتال يفاجئ معاونيه بتنظيم رحلة صيد. إنه مضرب المثل في بسالته، ولكن أمعاءه تجنح إلى الاسهال إذا دنت المعركة (٢٦)، وقد عانى في السنين السبع الأخيرة من حياته من الدوزنتاريا وعسر البول والنقرس. أما ذهنه ففي نشاط جسده ومرونته. وهو سريع في تبين الزيف والهراء، يلتقط لب الأمور للتو والساعة، ويكتب الرسائل التي لا تزال تنبض بالحياة، ويشرح بطرفه صدر فرنسا
(١) مذكرات صلى، ١٠ - ١١. ولا سبيل إلى التحقق من صحة رواية هذا الحديث الخاص.