يقول رينان Renan: " لو أن أنطونينس لم يعين ماركس أورليوس خليفةً له من بعده لما استطاع أحد قط أن ينافسه فيما اشتهر به من أنه خير الملوك على الإطلاق"(٤١). ويقول جبن Gibbon: " لو أن إنساناً طلب إليه أن يحدد في تاريخ العالم وقتاً كان فيه الجنس البشري أعظم ما يكون سعادة ورخاء، لما تردد في أن يقول أنه هو الفترة التي تمتد من جلوس نيرفا إلى موت أورليوس. ولعل حكمهم مجتمعاً هو الفترة الوحيدة في تاريخ العالم التي كانت فيها سعادة شعب عظيم هدف الحكومة الوحيد"(٤٢).
ولد ماركس أورليوس فيرس في رومة عام ١٢١، وكانت أسرة أنياي Annii قد وفدت قبل ذلك الوقت بمائة عام من سكوبا Succuba القريبة من قرطبة إلى رومة، ويلوح أن ما اشتهروا به في هذا البلد من شرف قد أكسبهم لقب فيرس أي "الحق". ومات والد الغلام بعد ثلاثة أشهر من مولده فكفله جده الثري، وكان قنصلاً في ذلك الوقت، وأخذه إلى بيته. وكثيراً ما كان هدريان يتردد على هذا البيت زائراً، فأعجب الغلام، ورآه من طراز الملوك. ولم يعرف قط أن غلاماً مثله كان شبابه ينم عما ينتظره من مستقبل عظيم، أو كان يدرك ما هيأته له الأقدار من حظ حسن. وقد كتب بعد ذلك الوقت بخمسين عاماً يقول:"إني مدين للآلهة بما وهبتني من جدود طيبين، وآباء طيبين، وأخت طيبة، ومدرسين طيبين، وأقارب وأصدقاء طيبين، وكل شيء تقريباً طيب"(٤٣). وأراد الدهر أن يفرض عليه شيئاً من التوازن فجعل له زوجة مريبة وابناً سافلاً. وقد أحصى في تأملاته ما يتصف به