أولئك الناس من فضائل وما تلقاه عنهم من دروس في التواضع، والصبر، والرجولة، والتعفف، والتقوى، وحب الخير، و "بساطة الحياة البعيدة كل البعد عن عادات ذوي الثراء"(٤٤)، وإن كان الثراء يحيط به من كل جانب.
ولم يلق غلام قط ما لقيه هذا الغلام من حرص ومثابرة على تربيته وتعليمه. فقد التحق في شبابه بخدمة الهياكل والكهنة، وحفظ عن ظهر قلب كل كلمة من كلمات الطقوس الدينية القديمة الغامضة المتعذرة الفهم، ولم تنقص الفلسفة في مستقبل الأيام من مثابرته على أداء تلك الطقوس القديمة المفروضة على الأتقياء الصالحين، وإن كانت هذه الفلسفة قد زعزعت عقيدته الدينية. وكان ماركس يحب المباريات والألعاب الرياضية ومنها صيد الطير والحيوان، وقد بذلت بعض الجهود لتقوية جسمه كما كانت الجهود تبذل لتنمية عقله وتقويم خلقه، ولكن سبعة عشر مدرساً خاصاً يحيطون بطفل عبء ثقيل وعقبة كؤود في سبيله. فقد كان أربعة نحاة، وأربعة من علماء البلاغة، وواحد من علماء القانون، وثمانية من الفلاسفة يقتسمون رومة فيما بينهم. وكان أشهر هؤلاء الأساتذة كلهم م. كورنليوس فرنتو Cornelius Fronto. M معلم البيان. وكان ماركس يحبه ويحبوه بكل ما يحبو به التلاميذ أبناء الملوك أساتذتهم من عطف ولطف، ويتبادل معه رسائل تفيض ؤقة ووفاء، ولكن الغلام رغم هذا أدار ظهره إلى فن الخطابة ورآه فناً باطلاً غير شريف وأنهمك في دراسة الفلسفة.
وهو يشكر لأساتذته أنهم لم يلزموه بدراسة المنطق والتنجيم، ويشكر لديجنيتس Diognetus الرواقي أنه حرر عقله من الخرافات، وليونيوس رستكس Junius Rusticus أنه عرفه بإبكتتس، ولسكستس القيرونيائي Sextus of Chaeronea أنه علمه أن يعيش عيشة تتفق والطبيعة. وهو يحمد لأخيه سفيرس Severus أنه علمه أخبار بروتس، وكاتو اليتكائي، وثراسيا Thrasea، وهلفديوس Helvidius ويقول: "إني تلقيت عنه فكرة الدولة