يرتجف في موسكو، وظلت أسبانيا - مثلها في ذلك مثل سائر أوروبا - في انتظار نتيجة مغامرته التي ستؤثر في أحوال القارة الأوروبية.
[٥ - النتائج]
تمخضت حرب شبه الجزيرة الأيبيرية حتى عند هذه المرحلة غير الحاسمة عن بعض النتائج الواضحة. فمن الناحية الجغرافية كانت أهم النتائج هي أن المستعمرات البرتغالية والإسبانية في أمريكا الجنوبية قد استطاعت التحرر من قبضة الوطن الأم الذي اعتراه الضعف (إسبانيا أو البرتغال)، وبدأت هذا المستعمرات مرحلة نشيطة وحيوية. ومن النتائج أيضاً أن كل أسبانيا جنوب التاجوس Tagus قد تخلّصت من الجنود الفرنسيين. ومن الناحية العسكرية أثبت ولينجتون أن فرنسا يمكن ألاّ تستولي على البرتغال، أو بتعبير آخر أن منع فرنسا من الاستيلاء على البرتغال أمرٌ ممكن، بل وربما لا تستطيع فرنسا الاحتفاظ بأسبانيا، إلاّ إذا خاطرت بكل فتوحاتها إلى الشرق من الراين Rhine. ومن الناحية الاجتماعية حققت المقاومة الشعبية - رغم عدم انضباطها - انتصاراً لصالح الفلاحين والكنيسة.
ومن الناحية السياسية استعادت المجالس السياسية المحلية (في الدوائر أو الولايات) بعضاً من سلطانها القديم فأقامت كل منها جيشاً خاصاً بها وسكّت عُملة خاصة بها، وأصبح لكل منها سياسة خاصة بها، بل إنها في بعض الأحيان كانت تُوقع سلاماً منفصلاً مع بريطانيا (أي دون الرجوع إلى الحكومة المركزية). والأكثر دلالة من ذلك كله هو أن هذه المجالس السياسية المحلية أرسلت ممثلين عنها إلى البرلمان المركزي مزوَّدين بتعليمات لصياغة دستور جديد لأسبانيا جديدة.
وبعد أن تحرر هذا البرلمان من الجيوش الفرنسية اجتمع للمرة الأولى في جزيرة دي ليون Isla de Leon في سنة ١٨١٠ وبعد الانسحاب الفرنسي انتقل إلى قادش Cadez، وهناك في ١٩ مارس ١٨١٢ تم إعلان الدستور الليبرالي. ولأن معظم المبعوثين (المفوَّضين) كانوا متمسكين بالكاثوليكية، فقد نصت المادة ١٢ من هذا الدستور على أن دين الأمة الإسبانية هو الكاثوليكية وسيظل دائما كذلك، فالكاثوليكية الرومانية (التابعة لكنيسة روما) الرسولية