للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤ - النهضة الفرنسية]

(الميلاد الجديد)

من الأشياء المألوفة والمغتفرة أن تطلق عبارة "الميلاد الجديد"، وهي عبارة حافلة بالمعاني الإضافية، على الفترة الممتدة بين ارتقاء فرانسوا الأول العرش (١٥١٥) واغتيال هنري الرابع (١٦١٠). كان هذا الازدهار البهي للشعر والنثر والعادات الاجتماعية والفنون والملابس الفرنسية في جوهره نضجاً أكثر منه ميلاداً جديداً. فقد استطاع الاقتصاد الفرنسي والروح الفرنسية أن يفيقا من حرب المائة عام بفضل ما أتيح للناس من مرونة صابرة وما استجد من نمو التربة التي ألقيت فيها البذار حديثاً. وكان لويس الحادي عشر قد منح فرنسا حكومة منظمة ممركزة قوية، ومنحها لويس الثاني عشر عقداً مثمراً من السلام. وظلت إبداعية العصر القوطي الحرة، الطليقة، الغريبة الأطوار، حية متوازنة غالبة على رابليه، الذي بلغ إعجابه بالآداب القديمة مبلغاً جعله يقتبس منها كلها تقريباً. ولكن اليقظة الكبرى كانت كذلك ميلاداً جديداً. فقد تأثر الأدب والفن الفرنسيان تأثراً لا ريب فيه بما أتيح لها من علم أوثق بالثقافة القديمة والأشكال الكلاسيكية. واستمرت هذه الأشكال وهذا المزاج الكلاسيكي- الذي يغلب الفكر المنظم على العاطفة المشبوبة- في الدراما والشعر والتصوير والنحت والمعمار الفرنسي زهاء ثلاثة قرون. أما العوامل المخصبة في هذا الميلاد الجديد فهي الكشف والغزو الفرنسيان لإيطاليا، والدراسة الفرنسية لآثار والفقه والآداب الرومانية وللآداب والفنون الإيطالية، وتدفق الفنانين والشعراء الإيطاليين على فرنسا. وأسهمت عوامل كثيرة أخرى في بلوغ هذه النهاية السعيدة: كالطباعة ونشر النصوص القديمة وترجمتها، والرعاية التي حظي بها العلماء والشعراء والفنانون من الملوك الفرنسيين ومن عشيقاتهم ومن مارجريت النافارية ومن رجال الكنيسة والأشراف، ومن إلهام النساء القادرات