تقع بلاد العرب في الناحية الشرقية من البحر الأحمر؛ وقد عجز الفراعنة، والأكمينيون، والسلوقيون، والبطالمة، والرومان عن فتح تلك الجزيرة الغامضة العجيبة، ولذلك ظلّت صحراء العرب لا تعرف إلا العرب البدو، لكن في جزئها الجنوبي الغربي سلسلة جبلية تسيل فيها عدّة مجارٍ مائية فتلطّف حرارتها، وتنبت فيها أشجار الفاكهة وتخلق منها بلاد العرب السعيدة Arabia Felix أو بلاد اليمن كما يسمونها في هذه الأيام. وقد قامت في خبايا تلك البلاد مملكة سبأ الصغيرة التي ورد ذكرها في التوراة (١) والتي يكثر فيها الكندر، والمُر، والقشية (خيار شنير)، والقرفة، والصبر، والنردين، والسنا المكّي، والصمغ، والحجارة الكريمة. وقد استطاع أهلها أن يشيّدوا عند مأرب وغيرها من الأماكن مُدناً تزهو بهياكلها، وقصورها، وأروقتها المعمّدة (٤٠). ولم يكتفِ تجّار العرب بأن يبيعوا محصولات بلادهم بأغلى الأثمان، بل كانوا يسيّرون فيها القوافل التجارية إلى بلاد شمالي آسية الغربي، وكانت لهم تجارة بحرية نشيطة مع مصر، وبارثيا، وبلاد الهند. وبعث أغسطس أبليوس جالس في عام ٢٥ ق. م ليضم تلك المملكة إلى الإمبراطوريّة الرومانية، ولكن فيالقه عجزت عن الاستيلاء على مأرب وعادت إلى مصر بعد أن قضت الأوبئة وشدّة الحرارة على عدد كبير من رجالها. وحينئذ اكتفى أغسطس بتدمير مرفأ أدانا (عدن) العربي، فأمّن بذلك التجارة بين مصر والهند.
وكان أهم الطرق التجارية الممتدّة من مأرب إلى الشمال يخترق الطرف الشمالي