أجزائها، وأما الكائن العضوي فإنه يشتمل أيضاً على الإشراف الغائي على جميع أجزاء الكل. وكما أن الغاية وحدها هي التي مكن بها تفسير منشأ الأعضاء وتركيبها، ووظيفتها؛ فكذلك يرى جالينوس أن الكون لا يمكن أن يُفهَم إلا على أنه تعبير عن خطّة إلهية وأداة لتنفيذ هذه الخطّة. لكن الله لا يعمل إلا بوساطة قوانين طبيعية، وعلى هذا ليس ثمة معجزات، وخير وحي هو الطبيعة نفسها.
وأحبّ المسيحيون جالينوس لإيمانه بالغائية وبالوحدانية في الدين، كما أحبه المسلمون بعدئذ لهذا السبب عينه؛ وقد فقدت أوربا كل كتاباته تقريباً في أثناء الفوضى التي أعقبت غزوات البرابرة، ولكنّ علماء العرب حفظوها لبلاد الشرق، ثم ترجمت هذه المؤلفات من اللغة العربية إلى اللاتينية في القرن السابع والقرون التي تلته، وأصبح جالينوس بعدئذ المرجع المعترف به الذي لا يوجّه إليه نقد، فكان هو أرسطو الطب في العصور الوسطى.
واختتم آخر عصر مبدع من عصور العلم اليوناني ببطليموس وجالينوس، ومن بعدهما انتهى عصر التجارب وساد عصر العقائد التحكّمية؛ وانحطّ علم الرياضة فأصبح مجرّد ترديد للهندسة، كما انحطّ علم الأحياء فأصبح ترديداً لأقوال أرسطو، وإنحطّت العلوم الطبيعية فأصبحت ترديداً لأقوال بلني؛ ووقف الطب جامداً حتى جاء أطباء العرب واليهود في العصور الوسطى فجددوا هذا العلم الذي يعدّ أشرف العلوم على الإطلاق.