لقد مر النزاع بين الدين والفلسفة حتى الوقت الذي نتحدث عنه في ثلاث مراحل: مهاجمة الدين كما حدث قبل عهد السقراطيين؛ والمحاولة التي تهدف إلى استبدال قانون أخلاقي طبيعي بالدين كما فعل أرسطو وأبيقور؛ ثم العودة إلى الدين كما فعلت المتشككة والرواقية- وتلك هي الحركة التي انتهت بظهور الأفلاطونية الجديدة والمسيحية. وقد حدث مثل هذا التعاقب أكثر من مرة في تاريخ العالم، ولعله يحدث في هذه الأيام. فطاليس يقابل جالليو، ودمقريطس يقابل هُبز، والسوفسطائيون يقابلون رجال دوائر المعارف الفرنسيين، وبروتاغوراس يقابل فلتير؛ ثم إن أرسطو يقابل اسبنسر، وأبيقور يقابل أناطول فرانس؛ وبيرون يقابل بسكال، وأرسسلوس يقابل هيوم، وأقرانيداس يقابل كانت، زينون يقابل شوبنهور، وأفلوطين Plotinus يقابل برجسن. نعم إن الترتيب التاريخي لهؤلاء الفلاسفة يجعل التشابه بينهم غير يسير، ولكن الاتجاه الأساسي للتطور واحد في جميع الأحوال.
لقد تخلى عصر النظم العظيمة عن مكانه إلى التشكك في قدرة العقل الإنساني على فهم العالم أو السيطرة على غرائز الناس وإخضاعها للنظام وللحضارة. ولقد كانت هذه حال المتشككة بالمعنى الذي يقصده منها كانت لاهيوم: فقد كان هؤلاء يرتابون في الفلسفة كما يرتابون في العقائد التحكمية، وحطموا أسس المادية، وأشاروا بقبول الطقوس الدينية القديمة في هدوء. ولم يبعد التشكك الناس على يد بيرون، كما لم يبعدهم على يد بسكال، عن الدين بل قادهم إليه، وقد ختم بيرون نفسه حياته بأن كان كاهن المدينة الأكبر المبجل. ولم يكن هجر