ووصفه فولتير بأنه "أتعس الناس حظاً وأكثرهم هدوءاً (٤٩).
إن من أكرم مظاهر الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر. ذلك العطف السابغ والعون الودي اللذين حبا بهما فولتير "نبي العقل" فوفينارج نصير بسكال و "القلب". إن الفيلسوف الشاب أعلن عن إعجابه "برجل يشرف قرننا، رجل لا يقل عظمة وشهرة عن أسلافه" (٥٠). وكتب إليه الرجل العجوز الأكبر منه سناً في لحظة من لحظات التواضع: "لو أنك كنت قد رأيت التور قبل مولدك ببضع سنين، فلربما اكتسبت كتاباتي قيمة أكبر (٥١) إن أفصح قطعة في مجلدات فولتير المائة هي ما قال في تأبين فوفينارج عند تشييع جنازته (٥٢).
[٥ - مونتسكيو]
١٦٨٩ - ١٧٥٥
أ - الرسائل الفارسية
وجد فولتير أنه من العسير عليه أن يحب مونتسكيو لأن مؤلفه "روح القوانين"(١٧٤٨) اعتبر بصفة عامة أعظم إنتاج عقلي في هذا العصر. وظهر كتاب حين بلغ صاحبه التاسعة والخمسين، وكان ثمرة خمسين عاماً من التجربة والخبرة، وأربعين عاماً من الدرس والبحث وعشرين عاماً قضاها في تأليفه.
ولد شارل لويس دي سيكوندا بارون دي لابريد ودي مونتسكيو، في لابريد بالقرب من بوردو وفي مقاطعة مونتاني، في ١٨ يناير ١٦٨٩. وكان يفاخر مبتهجاً بأنه من سلالة هؤلاء القوط، وهم الذين بعد أن غزوا الإمبراطورية الرومانية، "أسسوا الملكيات وأقاموا صرح الحرية هنا وهناك في كل مكان"(٥٣) إنه انتسب على أية حال إلى "نبلاء السلاح ونبلاء الرداء" كان أبوه كبير القضاة في جوين، وكان الصداق التي قدمته أمه قصر لابريد وأرضها. وفي ساعة مولده تقدم إلى بوابة القصر سائل مسكين، فأدخلوه وأطعموه وجعلوا منه عراباً للطفل (أي أباه في العماد)، زعماً منهم بأن شارل لن ينسى الفقراء أبداً (٥٤). وتربى طوال السنوات الثلاث الأولى من عمره بين فلاحي القرية، وأرسل في سن الحادية عشرة