من هذا الغول الذي أثار الخوف والإعجاب دولياً، والذي سرق سيليزيا، وهزم نصف أوربا المتحد ضده، وهزأ بالدين، وازدرى الزواج، وأعطى فولتير دروساً في الفلسفة، واقتطع بعض أوصال بولندة ولو ليمنع روسيا من التهاماً كلها؟
لقد بدأ أقرب إلى الأشباح منه إلى الغيلان يوم عاد حزيناً منتصراً من حرب السنين السبع ودخل برلين (٣٠ مارس ١٧٦٣) بين تصفيق الجماهير المملقة. كتب إلى دارجنس يقول "إني أن أعود إلى مدينة لن أعرف فيها غير الأسوار، ولن أجد أحداً من معارفي، حين تنتظرني مهمة ضخمة، وحيث أخلف بعد زمن غير طويل عظامي في مثوى لا تكدر هدوءه الحرب ولا الكوارث ولا سفالة الإنسان"(١) كانت بشرته قد جفت وتغضنت، وعيناه الزرقاوان الرماديتان داكنتين منتفختين، ووجهه يحمل آثار المعركة والمرارة، وأنه فقط هو الذي احتفظ بجلاله القديم. وقد ظن أنه لن يستطيع الحياة طويلاً بعد أن استنزفت الحرب الطويلة موارده جسداً وعقلاً وإرادة، ولكن زهده مد في أجله ثلاثة وعشرين عاماً آخر. كان مقلاً في طعامه وشرابه، لا يعرف الترف؛ يعيش ويلبس في قصره الجديد ببوتسدام كما لو كان في المعسكر، وكان يضن بالوقت المخصص للعناية بشخصه؛ وفي سنيه الأخير أقلع عن الحلاقة، واكتفى بجز لحيته بمقص بين الحين والحين؛ ورددت الشائعات أنه لم يكن يستحم كثيراً (٢).