لعلنا قد غالينا في وصف ما أحدثته غارات الشماليين والمجر من أضرار، ذلك أن حشدها كلها في حيز قليل توخياً للإيجاز يجعل صورة الحياة في تلك، الأوقات قاتمة فوق ما تستحق، مع أنها لم تكن تخلو بلا ريب من فترات ساد فيها الأمن والسلام؛ فقد ظلت الأديرة تشاد خلال هذا القرن التاسع الرهيب، وكثيراً ما كانت مراكز للصناعة الناشطة، وازدادت مدينة رون قوة بفضل اتجارها مع بريطانيا رغم ما أصيبت به من غارات وحرائق؛ وسيطرت كولوني ومينز على التجارة المارة بنهر الرين، ونشأت في فلاندرة مراكز غنية صناعية وتجارية بمدن غنت، وإيبرس Ypres، وليل Lile، ودويه، وآراس Arass، وتورناي Tournai، ودينان Dinant، وكمبريه، ولييج وفلنسين.
وأصيبت مكتبات الأديرة بخسائر فادحة في كنوزها القديمة من جرّاء هذه الغارات، وما من شك في أن كثيراً من الكنائس التي أنشئت فيها مدارس عملاً بقرار شارلمان قد دمرت، وإن كانت مكاتب قد بقيت في الأديرة أو الكنائس القائمة في فلدا، ولورسن Lorson، وريشنو Reichenau، ومينز، وتريير وكولوني، ولييج، ولأون Laon، وريمس، وكوربي Corbie، وفليري Fleury، وسانت دينس، وتور، وببيو Bobbio، ومونتي كسينو، وسانت جول … واشتهر دير البندكتيين في سانت جول بمن كان فيه من الكتّاب، كما اشتهر بمدرسته وكتبها، وفيه كتب نتكر بلبولوس Notker Balbulus- الألكن- (٨٤٠ - ٩١٢) ترانيم بديعة ممتازة وسجل راهب سانت جول. وفيه ترجم نتكر لبيئو Notker Labeo- الغليظ الشفة- (٩٥٠ - ١٠٢٢) كتب بؤيثيوس، وأرسطو وغيرها من الكتب القديمة