للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثامن

[إخفاق الحملات الصليبية]

١٢١١ - ١٢٩١

لقد كانت فضائح الحملة الصليبية الرابعة، مضافة في نحو عشر سنين إلى إخفاق الحملة الثالثة، مما لا يرتاح له الدين المسيحي الذي واجه بعد زمن قليل بعث فلسفة أرسطو، وفلسفة ابن رشد الدقيقة القائمة على تحكيم العقل. وأخذ المفكرون يجهدون عقولهم ليفسروا للناس كيف رضى الله أن يهزم ناصروه في تلك القضية المقدسة، ولم يهب النصر إلا للبنادقة الأدنياء. ولاح ناصروه في تلك القضية الساذجة في خلال هذه الشكوك أن لا سبيل إلى استرداد حصن المسيح الحصين إلا بالطهر والتجرد من الذنوب. ولهذا قام في عام ١٢١٢ شاب ألماني لا يعرف التاريخ من ماضيه إلا أن اسمه نيقولاس Nicholas، وأعلن أن الله قد أمره أن يقود إلى الأرض المقدسة حملة صليبية مؤلفة من الأطفال. وعارضه في ذلك رجال الدين وغير رجال الدين، ولكن فكرته انتشرت انتشاراً سريعاً في عصر تسوده أكثر مما تسود سائر العصور موجات الحماسة العاطفية. وحاول الآباء بكل ما وسعهم من الجهد أن يمنعوا أبناءهم من الاستجابة لدعوته، ولكن آلافاً من الغلمان (وبعض البنات في ثياب الغلمان) لا يزيد متوسط أعمارهم على الثانية عشرة تسللوا من بيوتهم وساروا وراء نيقولاس، ولعلهم قد سرهم أن ينجوا من استبداد البيت إلى حرية الطريق. وخرج القسم الأكبر من هذا الحشد المؤلف من ثلاثين ألف طفل، من مدينة كولوني، وساروا بإزاء نهر الرين، وفوق جبال الألب. وأهلك الجوع عدداً كبيراً منهم وفتكت الذئاب ببعض المتخلفين، واختلط اللصوص بالزاحفين وسرقوا ثيابهم وطعامهم؛ ووصل من نجا منهم إلى