ستمائة فلاح ليحكمهم. ولما تردد في أن هناك إلهاً يعاقب ويكافئ (٤٦)، ولكنه اعتبر بيل "أعظم منطيق جدلي ألف (٤٧) " وجملة القول. كانت فلسفة فرنسا في القرن الثامن عشر هي بيل في تكاثر متفجر. إن القرن السابع عشر بدأ، بهوبز وسبينوزا، وبيل وفونتيل، الحرب الطويلة المريرة بين المسيحية والفلسفة، تلك الحرب التي بلغت ذروتها في سقوط الباستيل وعيد آلهة العقل.
[٥ - فونتنيل]
١٦٥٧ - ١٧٥٧
في السنوات الأربعة الأولى من حياته التي امتدت مائة عام، شن برنارد لي بوفييه دي فونتنيل، حرب الفلسفة، مستقلاً عن بيل، وأحياناً قبله، وواصل الحرب، بلا هوادة، طيلة نصف قرن بعد وفاة بيل. وهو إحدى ظواهر طول العمر، وملأ الفراغ بين بوسويه وديدرو، ونقل إلى معترك الحياة العقلية في القرن الثامن عشر شكوكية القرن السابع عشر الأكثر اعتدالاً وحرصاً.
ولد في روان في ١١ فبراير ١٦٥٧، ضئيلاً هزيلاً إلى حد أنهم عمدوه فور ولادته خشية أن يموت قبل أن ينقضي عليه اليوم. وظل على هذه الحال من الضعف طوال حياته، كانت رئتاه عليلتين وكان يبصق دماً إذا أجهد نفسه حتى في لعب "البليارد"، ولكن بالقصد والاعتدال في استخدام قواه إلا بمقدار والامتناع عن الزواج، وكبح جماح شهواته وأهوائه، والإغراق في النوم، استطاع أن يعمر بعد كل معاصريه، وتذكر موليير حين كان يتحدث مع فولتير.
وكان به بعض الميل إلى الأدب مثل ابن شقيق مورني. وكذلك كان يحلم هو الآخر بالمسرحيات، ولكن الروايات والأوبرات التي ألفها، وأناشيده الرعوية وقصائده الغزلية ومقطوعاته، كانت تعوزها العاطفة فماتت من البرودة. وكان الأدب الفرنسي يفقد الفن ويكسب الأفكار. ولم يجد فونتنيل نفسه إلا حين وجد أن العلم يمكن أن يكون رؤيا أكثر إدهاشاً من سفر الرؤيا، وأن الفلسفة معركة تثير الأسى، وتفوق كل الحروب. ولم يكن ذلك لأنه محارب، فقد كان رقيقاً إلى حد لا يقوى معه على الصراع، شغوفاً بالدنيا لا يحب أن يفقد صبره أو يتملكه الغضب في المناقشة، وواعياً