جلس ماركس أورليوس في خيمته قبل موته بست سنين ليصوغ أفكاره عن الحياة البشرية ومصيرها. ولسنا واثقين من أن كتابه المسي "إلى نفس" كان يقصد به أن تطلع عليه أعين الجماهير، ولكنا نرجح أن هذا كان قصده لأن الناس جميعاً، حتى القديسين، لا يسلمون من الغرور، ولأن أعظم رجل عامل مجد تمر به لحظات من الضعف يتمنى فيها أن يكتب كتاباً. ولم يكن ماركس مؤلفاً قديراً، وقد أضاع معظم ما علمه إياه فرنتو من اللغة اللاتينية لأنه أخذ يكتب باللغة اليونانية. هذا إلى أن تلك "الأفكار الذهبية" قد كتبت في الفترات التي تتخلل أسفاره، وحروبه، وما كان يقع في البلاد من فتن واضطرابات كثيرة. وليس لنا أن نلومه لأنه جعلها متقطعة غير منسجمة، ولأنه يعمد فيها إلى التكرار الكثير، ولأنها في بعض الأحيان مسئمة مملة، ولأن قيمة الكتاب لا تعتمد إلا على محتوياته- على رقته وصراحته، وعلى ما يكشفه دون وعي كامل منه عن نفسية تجمع بين الوثنية والمسيحية، وبين العصر القديم والعصر الوسيط.
وكان أورليوس يرى كما ترى كثرة فلاسفة زمانه أن الفلسفة ليست وصفاً نظرياً للانهاية، بل هي مدرسة لتعليم الفضيلة وطريقة للحياة. وقلّما كان يشغل باله في البحث عن حقيقة الله، وتراه يتحدث أحياناً كما يتحدث اللا أدريون، فيعترف أنه لا يعرف، ولكنه بعد أن يقر على نفسه هذا الإقرار يقبل دين آبائه وأجداده بتقوى الرجل الساذج، ويسأل نفسه قائلاً:"وماذا يعود على من حياتي في عالم خالٍ من الآلهة ومن قوة تصرف شئونه؟ "(٤٤) وكان إذا