وعاش لويس في فرساي على نحو متقطع منذ ١٦٧١ وأنفق بعض وقته في مارلي، وسان-جرمان، وفونتنبلو، وبعد ١٦٨٢ أصبح فرساي مقره الدائم. ولكنا نظلمه إذا ظننا أن فرساي كان مسكنه وملهاه، فهو لم يشغل سوى جزء متواضع من المبنى، أما الباقي فقد سكنته زوجه، وأبناءه، وأحفاده، وخليلاته، والمفوضيات الأجنبية وكبار الإداريين، وأفراد الحاشية، وكل الخدم والحشم الذين تطلبهم البيت المالك. ولا ريب في أن بعض هذا البهاء كان له هدف سياسي-هو إدخال الرهبة في قلوب السفراء الذين توقع منهم لويس أن يحكموا من هذا البذخ على موارد الدولة وسطوتها. وقد وقع هذا من نفوسهم ونفوس غيرهم من الزوار فأذاعوا في أرجاء أوربا من الأنباء عن بهاء فرساي ما جعله البلاط المحسود، والمثل الذي يحتذيه الكثير من البلاطات والقصور في القارة الأوربية بأسرها. أما في عقابيل هذا العهد فقد بدت هذه الكتلة الضخمة من المباني رمزاً وقحاً للاستبداد وتحدياً مستهتراً من كبرياء الإنسان لمصير الإنسان غير المتغير.
[٣ - الزخرفة]
لم تعرف فنون الزخرفة قط، حتى على عهد باباوات النهضة، مثل هذا التشجيع والعرض. فقد كانت الأرضيات المكسوة بالبسط السميكة، والأعمدة الزينية، والموائد ورفوف المستوقدات الزخرفية الضخمة، والزهريات من الخزف الصيني، والشمعدانات الفضية والثريات البلورية، والساعات الجدارية الرخامية المطعمة بالأحجار الكريمة، والجدران ذات الحشوات الخشبية أو الرسوم الجصية أو الصور أو قطع النسيج المرسوم، والكراميش المصبوبة صباً أنيقاً، والأسقف ذات الزخارف الغائرة أو الصور، هذه كلها وكثير غيرها من ألوان الفن في فرساي وفونتنبلو ومارلي واللوفر،