سادتهم سيطروا على البرلمان، ولم يستطع إكراه الأغنياء على دفع الضرائب، لأن الأغنياء كانوا هم البرلمان، ولم يستطع السيطرة على النبلاء المشاغبين، لأنهم أبوا أن يكون له جيش دائم. ومات من تبولن الدم في ١٧ يونيو ١٦٩٦، لا كسير القلب كما زعمت الرواية، بل آسفاً على انحدار بلده الحبيب من قمة البطولة التي فعه إليها.
وتخطى الديت ابنه وباع التاج إلى فردريك أوغسطس، ناخب سكسونيا، الذي تحول في غير عناء من البروتستنتية إلى الكاثوليكية ليصبح أوغسطس الثاني ملك بولندة. وكان شخصية عجيبة في ذاته. ويسميه التاريخ أوغسطس القوي، لأنه كان الرياضي الشديد البأس في جسمه وفراشه، وقد نسيت إليه أسطورة إنجاب ٣٥٤ طفلاً غير شرعي (١٢). وفي يناير ١٦٩٩ وقع في كارلوفتز معاهدة نزلت بمقتضاها تركيا عن كل دعوى لها في أوكرانيا الغربية. فلما شعر أوغسطس بالأمان في الجنوب والشرق، استمع إلى باتكول، وربط بولندة بحلف مع الدنمرك وروسيا لاقتسام السويد.
[٣ - روسيا تتجه إلى الغرب]
١٦٤٥ - ١٦٩٩
استطاع كل من المتآمرين الثلاثة أن يختلق عذراً ويدعي استفزازاً ما. فشارل العاشر ملك السويد كان قد حاصر كوبنهاجن وحاول فتح الدنمرك، وغزا بولندة واستولى على عاصمتها، وكان جوستافس أدولفس قد دعم قوة السويد في ليفونيا واينجريا دعماً أتاح له أن يتحدى روسيا أن تنزل زورقاً في البلطيق دون موافقة السويد. أما الدب الروسي الحبيس فكان يحرق الأرم لمرأى المخارج كلها مغلقة في الغرب، والمنافذ إلى البحر الأسود كلها يسدها التتار والترك. ولم يبق غير الشرق مجال لتحرك روسيا-إلى سيبيريا، وذلك يبدو الطريق إلى الشدائد والهمجية. لقد كانت أسباب الراحة ومفاتن الحياة تؤمي لروسيا أن تتجه غرباً، وكان الغرب مصمماً على أن يبقي روسيا بلداً شرقياً.
وحين اعتلى ألكسيس ميخايلوفتش رومانوف عرش القياصرة كانت روسيا لا تزال يطغى عليها طابع العصر الوسيط. فهي لم تعرف القانون الروماني، ولا إنسانية النهضة الأوربية، ولا إصلاح الحركة