كتاب قداديس احتوى على لحن من أرفع ألحانه، وهو قداس» Oquam gioriosum« ( ما أمجدك). وكتب قداسا جنائزيا عميق التأثير لمأتم ماريا أخت فيليب، وأرملة الامبراطور مكسليان الثاني، وضعه مؤرخ نابه للموسيقى في صف «أروع الألحان المدونة قاطبة (٩)». وقد سماه أغنيته التم»، وبعد نشره (١٦٠٣) تفرغ بكليته لواجباته الكهنوتية. وكان من ألمع النجوم في أشهر عهد من عهود الملكية الأسبانية.
[٢ - فيليب الثاني]
١٥٥٥ - ١٥٩٨
هنا رجل من أغرب واقوى شخصيات التاريخ، متعصب، ذو ضمير حي، مكروه أشد الكره خارج اسبانيا، محبوب أحر الحب داخلها، يتحدى أي دارس يحاول جاهداً أن يكون موضوعيا. كان نسبه قدره المكتوب، فأبوه شارل الخامس، الذي خلف له ملكا والتزاما بالتعصب، وجدته لأبيه جوانا لا لوكا ابنة فرديناند الكاثوليكي المجنونة؛ فالصوفية والجنون إذن في عروقه، والعقيدة والاستبداد في ميراثه. وكان لأمه ايزابيللا البرتغالية ولدان آخران مات كلاهما بالصرع في طفولته، وماتت هي نفسها في السادسة والثلاثين حين كان فيليب في الثانية عشرة. ولد في بلد الوليد عام ١٥٢٧ يوم كانت جيوش أبيه تنهب روما وتسجن البابا، وربى على يد قساوسة ونساء أغرقوه في التدين وأقنعوه بأن الكنيسة الكاثوليكية هي السند الذي لا غنى عنه للفضيلة والملكية. وعلى حين كان أبوه - الذي نشأ في فلاندر - قد شب رجل دنيا، أصبح فيليب - الذي عاش في أسبانيا معظم حياته - أسبانياً وجهاً وعقيدة، جسداً وعقلاً، برغم جلده الأبيض وشعره الأصفر الحريري.
لم يكد يستمتع بشباب، ففي الثالثة عشرة عين حاكماً على ميلان، وفي السادسة عشرة وصياً على عرش اسبانيا - وهي وصاية لم تكن مجرد اسم بلا مسمى. فقد رتب شارل مشيرين له، وشرح له طباعهم ببصيرة نافذة، وأمره ان يؤلب المشير على المشير، وحضه على أن يحتفظ لنفسه