لعل الذي أنجى الكنيسة من محنتها لم يكن هو ما لجأت إليه محاكم التحقيق من تعذيب، بل كان نشأة طوائف جديدة من الرهبان انتزعت من أفواه الضالين دعوة التقشف الديني والفقر، وظلت قرن من الزمان تهب طوائف الرهبان، وغير الرهبان من رجال الدين، مثلا طيباً من الإخلاص المطهر للنفوس.
وكانت الأديرة قد تضاعف عددها في العصور المظلمة، وبلغت ذروتها في القرن العاشر المضرب الذي ساءت فيه الأحوال إلى أقصى حد، ثم أخذ عددها في النقصان حين أخذ النظام يسود الشئون الزمنية، وأخذ الرخاء في الازدياد: مثال ذلك أنه كان في فرنسا حوالي عام ١١٠٠ خمسمائة وثلاثة وأربعون ديراً، وفي عام ١٢٥٠ كان فيها ٢٨٧، وربما كان هذا النقص في عدد الأديرة قد عوضه ازدياد متوسط أعضائها، ولكن الأديرة التي كان رهبانها يبلغون المائة كان جد قليل وكان لا يزال من السنن المتبعة في القرن الثالث عشر عند الآباء الأتقياء أو ثقال الظهر أن يهبوا أطفالهم في سن السابعة أو ما بعدها إلى الأديرة "زلفى" إلى الله. وهكذا بدأ القديس تومس أكويناس حياته في الدير، وكانت طائفة الرهبان البندكتين ترى أن النذر الذي ينذره أبوا الطفل بأن يهباه إلى الدير