لا يمكن الرجوع فيه (٣). أما القديس برنار وطوائف الرهبان الجدد فكان من رأيهم أن لا ضير على الطفل الموهوب للدير إذا عاد إلى العالم متى بلغ سن الرشد (٤)، وأصبح الراهب الراشد على مر الزمن في حاجة إلى إجازة بابوية إذا أراد أن يرجع في يمينه من غير لأن يرتكب ذلك إثما.
وكانت معظم الأديرة الغربية قبل عام ١٠٩٨ تسير على نمط ما من أنماط طائفة الرهبان البندكتين بدرجات متفاوتة من الاستمساك بمبادئ هذه الطائفة فكانت تخصص للمبتدئ سنة يستطيع الطالب في أثنائها أن ينسحب من الدير بكامل حريته، وفي ذلك يقول الراهب قيصريوس الهيسترباخي Gaesarius of Heisterbach إن فارساً من الفرسان لنسحب من الدير "متذرعاً بتلك الحجة الدالة على الجبن وهي أنه يخشى الحشرات التي في ثياب (الرهبنة)، وذلك لأن ملابسنا الصوفية تأوي الكثير من الحشرات"(٥). وكان الراهب يقضي من يومه أربع ساعات في الصلاة، وكانت وجبات الطعام قصيرة الأجل، وتقتصر عادة على الخضر، أما بقية اليوم فكانت تقضي في العمل، والقراءة، والتعليم، وأعمال المستشفيات، والصدقات، والراحة. ويحدثنا قيصريوس بأن ديره وزع أثناء القحط الذي حدث في عام ١١٩٧ ألفاً وخمسمائة صدقة من الطعام في يوم واحد و"حافظ على حياة كل من جاءنا من الفقراء حتى حل موعد الحصاد"(٦) وذبح دير للسترسيين في وستفاليا جميع ضأنه وماشيته، ورهن كتبه وآنيته المقدسة، ليطعم الفقراء (٧) وشاد الرهبان بعملهم وعمل أرقاء أرضهم أديرة، وكنائس صغيرة وكبيرة، وفلحوا ضياعاً واسعة، وجففوا مستنقعات، واستصلحوا أرض الغابات، ومارسوا مائة من الصناعات اليدوية، وعصروا أحسن النبيذ والجعة. ولقد دربت الأديرة آلافاً من الرجال الصالحين القادرين على الآداب والأنظمة الخلقية والذهنية، وإن كانت في ظاهر الأمر قد انتزعت الكثيرين منهم من