للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العالم لتدفنهم في غمار الصلاحية الأنانية، ثم أعادتهم إليه مرة أخرى ليكونوا مستشارين للأساقفة، والبابوات والملوك ومديرين لأعمالهم (١).

وفاض ثراء المجتمع المتزايد على مر الزمن على الأديرة، وكان سخاء الشعب مصدراً لما كان ينغمس فيه الرهبان أحياناً من ترف. ولنضرب لذلك مثلا دير القديس ركوبيه St. Riquier، ولم يكن من أغنى الأديرة ولكنه كان له ١١٧ تابعاً يملكون ٢٥٠٠ بيت في البلدة التي كان قائماً فيها، ويحصل من مستأجريها على العشرة آلاف دجاجة وعشرة آلاف ديك مخصى مسمن، وخمسة وسبعين ألف بيضة، وعلى نقدي معتدل لكل فرد ولكنه في مجموعة كبيرة (٨). وثمة أديرة من هذا الدير ثراءاً وهي أديرة مونتي كسينو Monte Cassino، وكلوني Cluny وفلدا Fulda، والقديس جول St. Gall، والقديس دنيس St. Denis. وكان رؤساء الأديرة أمثال سوجر Suger رئيس القديس دنيس، وبطرس المبجل رئيس دير كلوني، وحتى سامسون Samson رئيس دير القديس إدمند في بيوري، كان هؤلاء الرؤساء سادة أقوياء عظماء أصحاب ثروات مادية طائلة وسلطان سياسي واجتماعي عظيم، وهذا هو سوجر بعد أن أطعم رهبانه وشاد كنيسة (٧) فخمة كبرى تبقى لديه من الموارد المالية ما يمكنه من أن يتكفل


(١) يقول عالم من كبار العلماء ليس في العادة ممن يشفقون على الكنيسة: " ليس أدل على كذب التهم التي يذيعها السفلة وهي أن رهبان العصور الوسطى كانوا نهمين، متلفين، مبذرين، فاسقين، ليس أدل على هذا الكذب من مئات السجلات، وقوائم الجرد التي بقيت حتى اليوم، والتي تشهد بما يتصف به الرهبان من عناية، وذكاء، وأمانة في إدارتهم أعمالهم. وإن ما قام به الرهبان من إصلاح اقتصادي لأوربا في العصور الوسطى ليشهد بأنهم كانوا بوجه عام ملاكاً وزراعاً أذكياء "تاريخ العصور الوسطى الاقتصادي ولاجتماعي لطمسن Thomson، Economic and Social History of the Middle Ages. ٦٣٠، ويقول رينارد المتشكك: "إن أكمل أعمال المسيحية وأعظمها أثراً هي التي قامت بها طوائف الرهبان" طبعة مارك أوريل Marc Aorèle بباريس ٦٢٧.