للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الرّابع

[ثاوقريطوس]

ماتت المسلاة اليونانية، ومات الأدب الأثيني إلى حد كبير، بموت فليمون عام ٢٦٢. نعم إن المسرح قد ازدهر ولكنه لم ينتج من الروائع ما رأى الزمان أو العلماء أنه خليق بالبقاء، وأخذ تكرار المسالي القديمة-وخاصة مسالي فليمون ومناندر-يطرد من هذه المسارح التمثيليات المبتكرة. ولما انقضى القرن الثالث خفتت معه روح المرح التي أوجدت المسلاة الجديدة وحلت محلها في أثينة النزعة الجدية التي كانت من خصائص المدرسة الفلسفية. وحاولت مدن أخرى وخاصة مدينة الإسكندرية أن تنقل إليها غروس فن التمثيل ولكنها لم توفق.

وجددت المكتبة الكبرى والعلماء الذين اجتذبتهم إليها نفحة الأدب الإسكندري. فكان لا بد للكتب أن تتفق مع أذواق القراء المتعلمين الناقدين التي "سفسطها" العلم والتاريخ. وحتى الشعر نفسه أضحى شعراً علمياً وحاول أن يستر ما فيه من ضعف الخيال بالإشارات الغامضة والتلاعب الدقيق بالألفاظ. وأخذ كلمكس يكتب تراتيل ميتة لآلهة ميتة، ونكات شعرية طريفة تلتمع يوماً واحداً، ومدائح تنم عن فطنة وروية مثل خصلة برنيس The Lock of Bernice وقصيدة إرشادية عن الأسباب (Aitia) وهي قصيدة تحتوي على كثيراً من المعارف العلمية في الجغرافية، والأساطير، والتاريخ، وعلى قصة من أقدم قصص الحب في الأدب. ومضمون هذه القصة أن بطلها أكنتيوس Acontius فتى بارع الجمال إلى درجة لا يصدقها العقل، وأن سيدبي Cydippe ذات جمال مفرط؛ ويلتقي الفتى والفتاة فيتحابان من أول نظرة، ويقف في سبيل هذا الحب أبوهما الشرهان المحبان للمال، فيهددانهما.