تلك هي القصة التي رواها ملايين من الشعراء والقصصيين منذ ذلك العهد، والتي سيظل يرويها ملاين آخرون من هؤلاء وأولئك في مستقبل الأيام. غير أننا يجدر بنا أن نضيف إلى هذا أن كلمكس يعود في إحدى مقطوعاته إلى الأذواق اليونانية المألوفة:
اشرب الآن وأحب يا دمقراطيس Democrates؛ لأنا
لن نجد بعد خمراً أو غلماناً إلى أبد الآبدين (٢٤).
وكان منافسه الوحيد في القرن الذي عاش فيه هو تلميذه أبلونيوس الروديسي. ولما أن سطا هذا التلميذ على أشعار أستاذه ونافسه عند البطالمة، أخذ الرجلان يتنازعان بالعمل وبالكتابة تنازعاً أدى إلى عودة أبلونيوس إلى رودس، حيث برهن على شجاعته بأن كتب في عصر يفضل الإيجار على الإطناب ملحمة متوسطة القيمة هي ملحمة الأرجنوتكا Argonautica. ولم تنل هذه الملحمة من عناية كلمكس أكثر من نكتة شعرية قصيرة هي قوله:"إن الكتاب الكبير شر مستطير"-وهو قول يستطيع القارئ أن يجد شاهداً عليه في الكتاب الذي بين يديه. وكوفئ أبلونيوس على عمله في آخر الأمر فنال المنصب الذي كان يطمع فيه وهو منصب أمين مكتبة الإسكندرية، وأفلح فوق هذا في إقناع بعض معاصريه أن يقرؤوا ملحمته. ولا تزال هذه الملحمة باقية إلى الآن، وفيها دراسة فلسفية ممتازة لحب ميديا، ولكنها ليست من الملاحم التي لا غنى عنها لطالب العلم الحديث (١).
وتنم نشأة شعر الرعاة عن قيام حضارة مدنية غير ريفية، ويكاد هذا الشعر أن يجاري تلك الحضارة خطوة فخطوة. ذلك أن اليونان في القرون الأولى من تاريخهم لم يقولوا إلا النزر اليسير عن جمال الريف لأن معظمهم كانوا يعيشون من قبل في الضياع نفسها أو قريبين منها، وكانوا يعرفون ما في الحياة
(١) وقد نسج فرجيل في الإلياذة على منوالها في شكلها، وفي مادتها أحياناً، وحاكاها أحياناً سطراً سطراً.