كان بابوياً أكثر من البابوات (٢٦). وأطلق موت فرانسوا وشارل يدي فرديناند في الوصول إلى الصلح. وفي صلح براج ١٥٦٢، اعترف فرديناند بحكم سليمان في المجر وملدافيا، وتعهد بدفع جزية سنوية قدرها ثلاثون ألف دوكات، ووافق على دفع تسعين ألفاً كمتأخرات.
وبعد عامين آخرين لحق بأخيه. وهكذا بقي سليمان على قيد الحياة بعد موت ألد أعدائه، وكم من البابوات لم يعمر هو بعدهم؟ لقد بسط سلطانه على مصر وشمال أفريقية، وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا، والبلقان والمجر. وسيطرت البحرية التركية على البحر المتوسط. وأثبت الجيش التركي شجاعته الفائقة شرقاً وغرباً وأثبتت الحكومة التركية جدارتها وقدرتها في فن الحكم والدبلوماسية، قدر ما كان لمنافسيها. وفقد المسيحيون رودس وبحر إيجة والمجر، وعقدوا صلحاً ذليلاً مهيناً. وبات العثمانيون آنذاك أكبر دولة في أوربا وأفريقية، إن لم يكن في العالم كله.
[٤ - الحضارة العثمانية]
أولاً- الحكومة
هل كان العثمانيون متحضرين؟ الحق أن الانطباع بأن العثمانيين كانوا متبربرين همجيين إذا قورنوا بالمسيحيين ليس إلا وهماً قصد به تقربة الذات. فإن أساليبهم في الزراعة وعلومهم كانت على الأقل تضارع ما كان منها لدى الغرب. فالأرض كان يفلحها مستأجرون من الرؤساء الإقطاعيين، الذين كان عليهم في كل جيل أن يستحوذوا على أراضيهم بخدمة السلطان بطريقة مرضية، في الإدارة وفي الحرب. وباستثناء النسيج والخزف، وربما الأسلحة والدروع، لم تكن الصناعة قد أقامت بعد نظام المصانع، كما كان الحال في فلورنسه وفي فلاندرز، ولكن الحرفيين الأتراك كانوا مشهورين بمنتجاتهم الممتازة. ولم يشعر الأغنياء أو الفقراء بالأسى والحزن